(يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (٣١) قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَالطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (٣٢) قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ (٣٣))
هذا خطاب لجميع بني آدم وإن كان واردا على سبب خاص ، فالاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، والزينة : ما يتزين به الناس من الملبوس ، أمروا بالتّزين عند الحضور إلى المساجد للصلاة والطواف. وقد استدلّ بالآية على وجوب ستر العورة في الصلاة ، وإليه ذهب جمهور أهل العلم ، بل سترها واجب في كل حال من الأحوال وإن كان الرجل خاليا كما دلت عليه الأحاديث الصحيحة. والكلام على العورة وما يجب ستره منها مفصل في كتب الفروع. قوله : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) أمر الله سبحانه عباده بالأكل والشرب ، ونهاهم عن الإسراف فلا زهد في ترك مطعم ولا مشرب ، وتاركه بالمرّة قاتل لنفسه وهو من أهل النار ، كما صح في الأحاديث الصحيحة ، والمقلل منه على وجه يضعف به بدنه ويعجز عن القيام بما يجب عليه القيام به من طاعة أو سعي على نفسه ، وعلى من يعول ، مخالفا لما أمر الله به وأرشد إليه ، والمسرف في إنفاقه على وجه لا يفعله إلا أهل السفه والتبذير ، مخالف لما شرعه الله لعباده واقع في النهي القرآني ؛ وهكذا من حرّم حلالا أو حلل حراما ، فإنه يدخل في المسرفين ويخرج عن المقتصدين. ومن الإسراف الأكل لا لحاجة ، وفي وقت شبع. قوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ) الزينة : ما يتزين به الإنسان من ملبوس أو غيره من الأشياء المباحة كالمعادن التي لم يرد نهي عن التزين بها والجواهر ونحوها ؛ وقيل : الملبوس خاصة ، ولا وجه له ، بل هو من جملة ما تشمله الآية ، فلا حرج على من لبس الثياب الجيدة الغالية القيمة إذا لم يكن مما حرّمه الله ، ولا حرج على من تزيّن بشيء من الأشياء التي لها مدخل في الزينة ولم يمنع منها مانع شرعي ، ومن زعم أن ذلك يخالف الزهد فقد غلط غلطا بينا. وقد قدّمنا في هذا ما يكفي ، وهكذا الطيبات من المطاعم والمشارب ونحوهما مما يأكله الناس فإنه لا زهد في ترك الطيب منها ، ولهذا جاءت الآية هذه معنونة بالاستفهام المتضمن للإنكار على من حرّم ذلك على نفسه أو حرّمه على غيره. وما أحسن ما قال ابن جرير الطبري : ولقد أخطأ من آثر لباس الشعر والصوف على لباس القطن والكتان مع وجود السبيل إليه من حله ، ومن أكل البقول والعدس واختاره على خبز البرّ ، ومن ترك أكل اللحم خوفا من عارض الشهوة ، وقد قدّمنا نقل مثل هذا عنه مطوّلا. والطيبات : المستلذات من الطعام ؛ وقيل : هو اسم عام لما طاب كسبا ومطعما. قوله : (قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا) أي : أنها لهم بالأصالة وإن شاركهم الكفار فيها ما داموا في الحياة (خالِصَةً يَوْمَ الْقِيامَةِ) أي : مختصة بهم يوم القيامة لا يشاركهم فيها الكفار. وقرأ نافع «خالصة» بالرفع ، وهي قراءة ابن عباس على أنها خبر بعد خبر. وقرأ الباقون بالنصب على الحال. قال أبو علي الفارسي : ولا يجوز الوقف على الدنيا ، لأن ما بعدها متعلق بقوله : (لِلَّذِينَ آمَنُوا) حال منه بتقدير : قل : هي ثابتة