للذين آمنوا في الحياة الدنيا في حال خلوصها لهم يوم القيامة. قوله : (كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) أي : مثل هذا التفصيل نفصل الآيات المشتملة على التحليل والتحريم. قوله : (قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ) جمع فاحشة. وقد تقدّم تفسيرها (ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ) أي ما أعلن منها وما أسرّ ، وقيل : هي خاصة بفواحش الزنا ولا وجه لذلك ، والإثم يتناول كلّ معصية يتسبب عنها الإثم ؛ وقيل هو الخمر خاصة ، ومنه قول الشاعر :
شربت الإثم حتّى ضلّ عقلي |
|
كذلك الإثم تذهب بالعقول |
ومثله قول الآخر :
نشرب الإثم بالصّواع جهارا (١)
وقد أنكر جماعة من أهل العلم على من جعل الإثم خاصا بالخمر. قال النحاس : فأما أن يكون الإثم الخمر فلا يعرف ذلك ، وحقيقة أنه جميع المعاصي ، كما قال الشاعر :
إنّي وجدت الأمر أرشده |
|
تقوى الإله وشرّه الإثم |
قال الفراء : الإثم ما دون الحق والاستطالة على الناس. انتهى. وليس في إطلاق الإثم على الخمر ما يدل على اختصاصه به ، فهو أحد المعاصي التي يصدق عليها. قال في الصحاح : وقد يسمّى الخمر إثما ، وأنشد :
شربت الإثم .. البيت
وكذا أنشده الهروي قبله في غريبه. قوله : (وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِ) أي : الظلم المجاوز للحد ، وأفرده بالذكر بعد دخوله فيما قبله لكونه ذنبا عظيما كقوله : (وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) (٢) (وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطاناً) أي : وأن تجعلوا الله شريكا لم ينزل عليكم به حجّة. والمراد التهكّم بالمشركين ، لأنّ الله لا ينزل برهانا بأن يكون غيره شريكا له (وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللهِ ما لا تَعْلَمُونَ) بحقيقته وأن الله قاله ، وهذا مثل ما كانوا ينسبون إلى الله سبحانه من التحليلات والتحريمات التي لم يأذن بها.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ومسلم والنسائي وغيرهم عن ابن عباس : أنّ النساء كنّ يطفن عراة ؛ إلا أن تجعل المرأة على فرجها خرقة وتقول :
اليوم يبدو بعضه أو كلّه |
|
وما بدا منه فلا أحلّه |
فنزلت (خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه عنه في الآية قال : كان الرجال يطوفون بالبيت عراة فأمرهم الله بالزينة. والزينة : اللباس وما يواري السّوءة وما سوى ذلك من جيد البزّ والمتاع. وأخرج ابن عدي وأبو الشيخ وابن مردويه عن أبي هريرة قال : قال رسول
__________________
(١). وعجزه : وترى المسك بيننا مستعارا.
(٢). النحل : ٩٠.