هنا هو لا إله إلا الله ، وفي الكلام حذف ، أي : قل أمر ربي بالقسط فأطيعوه. قوله : (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) معطوف على المحذوف المقدّر : أي توجهوا إليه في صلاتكم إلى القبلة في أي مسجد كنتم ، أو في كل وقت سجود ، أو في كل مكان سجود ، على أن المراد بالسجود الصلاة (وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) أي ادعوه أو اعبدوه حال كونكم مخلصين الدعاء ، أو العبادة له ؛ وقيل : وحدوه ولا تشركوا به. قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الكاف : نعت مصدر محذوف. وقال الزجاج : هو متعلق بما قبله. والمعنى : كما أنشأكم في ابتداء الخلق يعيدكم ، فيكون المقصود الاحتجاج على منكري البعث ، فيجازي المحسن بإحسانه ، والمسيء بإساءته ؛ وقيل : كما أخرجكم من بطون أمهاتكم تعودون إليه كذلك ليس معكم شيء ، فيكون مثل قوله تعالى : (وَلَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) وقيل : كما بدأكم من تراب تعودون إلى التراب (فَرِيقاً هَدى) منتصب بفعل يفسره ما بعده ؛ وقيل : منتصب على الحال من المضمر في تعودون ، أي : تعودون فريقين : سعداء وأشقياء ويقويه قراءة أبيّ «فريقين فريقا هدى» ، والفريق الذي هداه الله هم المؤمنون بالله المتبعون لأنبيائه ، والفريق الذي حقت عليه الضلالة : هم الكفار. قوله : (إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللهِ) تعليل لقوله : (وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ) أي : ذلك بسبب أنهم أطاعوا الشياطين في معصية الله ، ومع هذا فإنهم (يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ) ولم يعترفوا على أنفسهم بالضّلالة ، وهذا أشدّ في تمرّدهم وعنادهم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (وَالَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً) قال : كانوا يطوفون بالبيت عراة ، فنهوا عن ذلك. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي مثله. وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب نحوه. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في الآية قال : والله ما أكرم الله عبدا قط على معصيته ولا رضيها له ولا أمر بها ، ولكن رضي لكم بطاعته ونهاكم عن معصيته. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ) قال : بالعدل (وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ) قال : إلى الكعبة حيث صلّيتم في كنيسة أو غيرها (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) قال : شقّي وسعيد. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ) الآية قال : إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمنا وكافرا كما قال : (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) (١) ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنا وكافرا. وأخرج ابن جرير ، عن جابر في الآية قال : يبعثون على ما كانوا عليه : المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه. وأخرج سعيد بن منصور وابن المنذر عنه أنه ذكر القدرية فقال : قاتلهم الله أليس قد قال الله تعالى : (كَما بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ـ فَرِيقاً هَدى وَفَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ). وأخرج ابن أبي حاتم عنه أيضا في الآية : يقول : كما خلقناكم أوّل مرّة كذلك تعودون.
__________________
(١). التغابن : ٢.