البقر والغنم كان ذكرهما من بعد تخصيصا. حرّم الله ذلك عليهم عقوبة لهم على ما وقعوا فيه من الظلم كما قال تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) (١). قوله : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما) لا غير هذه المذكورات ، كلحمهما ، والشحوم يدخل فيها الثّروب وشحم الكلية ؛ وقيل : الثّروب جمع ثرب ، وهو الشحم الرقيق الذي يكون على الكرش ، ثم استثنى الله سبحانه من الشحوم ما حملت ظهورهما من الشحم فإنه لم يحرمه الله عليهم ، و (ما) في موضع نصب على الاستثناء (أَوِ الْحَوايا) معطوف على ظهورهما أي إلا ما حملت ظهورهما أو حملت الحوايا ، وهي المباعر التي يجتمع البعر فيها ، فما حملته من الشحم غير حرام عليهم ، وواحدها حاوية ، مثل ضاربة وضوارب ؛ وقيل : واحدها حاوياء ، مثل قاصعاء وقواصع ؛ وقيل : حوية : كسفينة وسفائن. وقال أبو عبيدة : الحوايا ما تحوّى من البطن : أي استدار ، وهي متحوية : أي مستديرة ؛ وقيل الحوايا : خزائن اللبن ، وهي تتصل بالمباعر ؛ وقيل الحوايا : الأمعاء التي عليها الشحوم. قوله : (أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) معطوف على (ما) في (ما حَمَلَتْ) كذا قال الكسائي والفراء وثعلب ؛ وقيل : إن الحوايا وما اختلط بعظم معطوفة على الشحوم. والمعنى : حرّمنا عليهم شحومهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم إلا ما حملت ظهورهما فإنه غير محرّم ، ولا وجه لهذا التكلف ولا موجب له ، لأنه يكون المعنى إن الله حرّم عليهم إحدى هذه المذكورات. والمراد بما اختلط بعظم : ما لصق بالعظام من الشحوم في جميع مواضع الحيوان ، ومنه الإلية فإنها لاصقة بعجب الذنب ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ) إلى التحريم المدلول عليه بحرّمنا أي : ذلك التحريم جزيناهم به بسبب بغيهم ؛ وقيل : إن الإشارة إلى الجزاء المدلول عليه بقوله : (جَزَيْناهُمْ) أي : ذلك الجزاء جزيناهم ، وهو تحريم ما حرّمه الله عليهم (وَإِنَّا لَصادِقُونَ) في كلّ ما نخبر به ، ومن جملة ذلك هذا الخبر ، وهو موجود عندهم في التوراة ، ونصّها : «حرّمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير ، وكل دابة ليست مشقوقة الحافر ، وكل حوت ليس فيه سفاسف» أي بياض ، انتهى. والضمير في (كَذَّبُوكَ) لليهود ، أي : فإن كذبك اليهود فيما وصفت من تحريم الله عليهم تلك الأشياء (فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ) ومن رحمته حلمه عنكم وعدم معاجلته لكم بالعقوبة في الدنيا ، وهو وإن أمهلكم ورحمكم ف (لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) إذا أنزله بهم واستحقّوا المعاجلة بالعقوبة. وقيل المراد : لا يردّ بأسه في الآخرة عن القوم المجرمين. والأوّل أولى ، فإنه سبحانه قد عاجلهم بعقوبات منها : تحريم الطيبات عليهم في الدنيا ، وقيل : الضمير يعود إلى المشركين الذين قسموا الأنعام إلى تلك الأقسام وحللوا بعضها وحرّموا بعضها ؛ وقيل المراد : أنه ذو رحمة للمطيعين (وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ) ولا ملجئ لهذا.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) قال : هو الذي ليس بمنفرج الأصابع ، يعني : ليس بمشقوق الأصابع. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه عنه (كُلَّ ذِي ظُفُرٍ) قال : البعير والنّعامة. وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال : هو كلّ شيء لم تنفرج قوائمه من البهائم ، وما انفرج أكلته اليهود ، قال : انفرجت قوائم الدجاج والعصافير فاليهود تأكله ، ولم ينفرج خفّ
__________________
(١). النساء : ١٦٠.