عباس ، وقرأ (قُلْ لا أَجِدُ) الآية. وأقول : وإن أبى ذلك البحر فقد صحّ عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتمسّك بقول صحابي في مقابلة قول النبي صلىاللهعليهوسلم من سوء الاختيار وعدم الإنصاف. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : ليس شيء من الدوابّ حرام إلا ما حرّم الله في كتابه (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية. وأخرج سعيد بن منصور وأبو داود وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عمر : أنه سئل عن أكل القنفذ ، فقرأ (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية ، فقال شيخ عنده : سمعت أبا هريرة يقول : ذكر عند النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : «خبيثة من الخبائث» ، فقال ابن عمر : إن كان النبي صلىاللهعليهوسلم قاله فهو كما قال. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم والنحّاس وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة : أنها كانت إذا سئلت عن كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير تلت : (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً) الآية. وأخرج أحمد والبخاري والنّسائي وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني وابن مردويه عن ابن عباس : أن شاة لسودة بنت زمعة ماتت فقالت : يا رسول الله! ماتت فلانة : تعني الشاة ، قال : «فلو لا أخذتم مسكها»؟ قالت : يا رسول الله! أنأخذ مسك شاة قد ماتت؟ فقرأ رسول الله صلىاللهعليهوسلم (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً) «وأنتم لا تطعمونه ، وإنما تدبغونه حتى تستنفعوا به» فأرسلت إليها فسلختها ثم دبغته ، فاتّخذت منه قربة حتى تخرّقت عندها. ومثل هذا حديث شاة ميمونة ، وهو في الصّحيح. ومثله حديث : «إنما حرم من الميتة أكلها» وهو أيضا في الصحيح. وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (أَوْ دَماً مَسْفُوحاً) قال : مهراقا. وأخرج ابن أبي حاتم عنه قال : كان أهل الجاهلية إذا ذبحوا أودجوا الدابة ، وأخذوا الدم فأكلوه ، قال : هو دم مسفوح. وأخرج أبو الشيخ عن الشعبي : أنه سئل عن لحم الفيل والأسد فتلا (قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَ) الآية. والأحاديث الواردة بتحريم كلّ ذي ناب من السباع ومخلب من الطير والحمر الأهلية ونحوها مستوفاة في كتب الحديث.
(وَعَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاَّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصادِقُونَ (١٤٦) فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَلا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ (١٤٧))
قدّم (عَلَى الَّذِينَ هادُوا) على الفعل ، للدلالة على أن هذا التحريم مختصّ بهم ، لا يجاوزهم إلى غيرهم. والذين هادوا : اليهود ، ذكر الله ما حرّمه عليهم عقب ذكر ما حرّمه على المسلمين. والظفر : واحد الأظفار ، ويجمع أيضا على أظافير ، وزاد الفراء في جموع ظفر أظافر وأظافرة ، وذو الظفر : ما له إصبع من دابة أو طائر ، ويدخل فيه الحافر والخف والمخلب ، فيتناول الإبل والبقر والغنم والنّعام والإوز والبط وكلّ ما له مخلب من الطير ، وتسمية الحافر والخفّ ظفرا مجاز. والأولى حمل الظفر على ما يصدق عليه اسم الظفر في لغة العرب ، لأن هذا التعميم يأباه ما سيأتي من قوله : (وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ) فإن كان في لغة العرب بحيث يقال على