كن فيكون ؛ وقيل : إن قوله مرتفع بيكون ، والحق صفته : أي يوم يقول : كن يكون قوله الحق. وقرأ ابن عامر (فَنَكُونَ) بالنون ، وهو إشارة إلى سرعة الحساب. وقرأ الباقون بالياء التحتية وهو الصواب. قوله : (وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) الظرف منصوب بما قبله : أي له الملك في هذا اليوم ؛ وقيل : هو بدل من اليوم الأوّل ، والصور قرن ينفخ فيه النفخة الأولى للفناء ، والثانية للإنشاء ، وكذا قال الجوهري : إن الصور : القرن ، قال الرّاجز :
لقد نطحناهم غداة الجمعين |
|
نطحا شديدا لا كنطح الصّورين |
والصّور بضم الصاد وبكسرها لغة ، وحكي عن عمرو بن عبيد أنه قرأ (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ) بتحريك الواو ، جمع صورة ، والمراد : الخلق. قال أبو عبيدة : وهذا وإن كان محتملا يردّ بما في الكتاب والسنة. وقال الفراء : كن فيكون ، يقال إنه للصور خاصة : أي ويوم يقول للصور كن فيكون. قوله : (عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ) رفع عالم على أنه صفة للذي خلق السموات والأرض ، ويجوز أن يرتفع على إضمار مبتدأ : أي هو عالم الغيب والشهادة ، وروي عن بعضهم أنه قرأ (يُنْفَخُ) بالبناء للفاعل ، فيجوز على هذه القراءة أن يكون الفاعل (عالِمُ الْغَيْبِ) ويجوز أن يرتفع بفعل مقدّر كما أنشد سيبويه :
ليبك يزيد ضارع لخصومة |
|
ومختبط ممّا تطيح الطّوائح |
أي يبكيه مختبط. وقرأ الحسن والأعمش عالم بالخفض على البدل من الهاء في (لَهُ الْمُلْكُ وَهُوَ الْحَكِيمُ) في جميع ما يصدر عنه (الْخَبِيرُ) بكل شيء.
وقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ) يقول : كذبت قريش بالقرآن (وَهُوَ الْحَقُ) وأما الوكيل : فالحفيظ ، وأما (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) فكان نبأ القوم استقرّ يوم بدر بما كان يعدهم من العذاب. وأخرج النحاس في ناسخه عن ابن عباس في قوله : (قُلْ لَسْتُ عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ) قال : نسخ هذه الآية آية السيف : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١). وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) يقول : حقيقة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن الحسن أنه قال في قوله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) قال : حبست عقوبتها حتى عمل ذنبها أرسلت عقوبتها. وأخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (لِكُلِّ نَبَإٍ مُسْتَقَرٌّ) قال : فعل وحقيقة ما كان منه في الدنيا وما كان منه في الآخرة. وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ) ونحو هذا في القرآن قال : أمر الله المؤمنين بالجماعة ، ونهاهم عن الاختلاف والفرقة ، وأخبرهم أنما أهلك من كان قبلهم بالمراء والخصومات في دين الله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَإِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا) قال : يستهزئون بها ، نهى محمّدا صلىاللهعليهوسلم
__________________
(١). التوبة : ٥.