كأنه قيل : كيف حال هؤلاء؟ فقيل : لهم شراب من حميم ، وهو الماء الحارّ ، ومثله قوله تعالى : (يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ) (١) وهو هنا شراب يشربونه فيقطع أمعاءهم. قوله : (قُلْ أَنَدْعُوا مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَنْفَعُنا وَلا يَضُرُّنا) أمره الله سبحانه بأن يقول لهم هذه المقالة ، والاستفهام : للتوبيخ أي كيف ندعو من دون الله أصناما لا تنفعنا بوجه من وجوه النفع إن أردنا منها نفعا ولا نخشى ضرّها بوجه من الوجوه ، ومن كان هكذا فلا يستحق العبادة (وَنُرَدُّ عَلى أَعْقابِنا) عطف على (نَدْعُوا). والأعقاب : جمع عقب ، أي كيف ندعو من كان كذلك ونرجع إلى الضلالة التي أخرجنا الله منها؟ قال أبو عبيدة : يقال لمن ردّ عن حاجته ولم يظفر بها قد ردّ على عقبيه. وقال المبرّد : تعقب بالشرّ بعد الخير. وأصله من المعاقبة والعقبى ، وهما ما كان تاليا للشيء واجبا أن يتبعه ، ومنه : (وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) (٢) ، ومنه : عقب الرجل ، ومنه : العقوبة ، لأنها تالية للذنب. قوله : (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ فِي الْأَرْضِ) هوى يهوي إلى الشيء : أسرع إليه. وقال الزجاج : هو من هوى النفس ، أي زين له الشيطان هواه ، و (اسْتَهْوَتْهُ الشَّياطِينُ) هوت به ، والكاف في (كَالَّذِي) إما نعت مصدر محذوف : أي نردّ على أعقابنا ردّا كالذي ، أو في محل نصب على الحال من فاعل نردّ : أي نردّ حال كوننا مشبهين للذي استهوته الشياطين ، أي ذهبت به مردة الجنّ بعد أن كان بين الإنس. قرأ الجمهور (اسْتَهْوَتْهُ) وقرأ حمزة استهواه على تذكير الجمع. وقرأ ابن مسعود والحسن استهواه الشيطان وهو كذلك في قراءة أبيّ ، و (حَيْرانَ) حال : أي حال كونه متحيّرا تائها لا يدري كيف يصنع؟ والحيران هو الذي لا يهتدي لجهة ، وقد حار يحار حيرة وحيرورة : إذا تردّد ، وبه سمي الماء المستنقع الذي لا منفذ له حائرا. قوله (لَهُ أَصْحابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) صفة لحيران ، أو حالية ، أي له رفقة يدعونه إلى الهدى يقولون له ائتنا فلا يجيبهم ولا يهتدي بهديهم. قوله : (قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدى) أمره الله سبحانه بأن يقول لهم : (إِنَّ هُدَى اللهِ) أي دينه الذي ارتضاه لعباده (هُوَ الْهُدى) وما عداه باطل (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) (٣) (وَأُمِرْنا) معطوف على الجملة الاسمية : أي من جملة ما أمره الله بأن يقوله ، واللام في (لِنُسْلِمَ) هي لام العلة ، والمعلل هو الأمر ، أي أمرنا لأجل أن نسلم لربّ العالمين. وقال الفراء : المعنى أمرنا بأن نسلم لأن العرب تقول أمرتك لتذهب ، وبأن تذهب ، بمعنى. وقال النحاس : سمعت ابن كيسان يقول : هي لام الخفض. قوله : (وَأَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَاتَّقُوهُ) معطوف على (لِنُسْلِمَ) على معنى : وأمرنا أن نسلم ، وأن أقيموا ، ويجوز أن يكون عطفا على يدعونه على المعنى : أي يدعونه إلى الهدى ويدعونه أن أقيموا (وَهُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) فكيف تخالفون أمره (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ) خلقا (بِالْحَقِ) أو حال كون الخلق بالحق فكيف تعبدون الأصنام المخلوقة؟ قوله : (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُ) أي واذكر يوم يقول كن فيكون أو واتقوا يوم يقول كن فيكون ؛ وقيل : هو عطف على الهاء في (وَاتَّقُوهُ) وقيل : إن (يَوْمَ) ظرف لمضمون جملة (قَوْلُهُ الْحَقُ) والمعنى : وأمره المتعلق بالأشياء ، الحق : أي المشهود له بأنه حق ؛ وقيل : قوله مبتدأ ، والحق صفة له (وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ) خبره مقدّما عليه ، والمعنى : قوله المتصف بالحق كائن يوم يقول :
__________________
(١). الحج : ١٦.
(٢). القصص : ٨٣.
(٣). آل عمران : ٨٥.