وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله : (يَصْدِفُونَ) قال : يعدلون. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله : (يَصْدِفُونَ) قال : يعرضون ، وقال في قوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً) قال : فجأة آمنين ، أو جهرة ، قال : وهم ينظرون. وأخرج ابن جرير عن ابن زيد قال : كلّ فسق في القرآن فمعناه الكذب.
(قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ ما يُوحى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ (٥٠) وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (٥١) وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ (٥٢) وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهؤُلاءِ مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا أَلَيْسَ اللهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ (٥٣) وَإِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٥٤) وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ (٥٥))
أمره الله سبحانه بأن يخبرهم لما كثر اقتراحهم عليه ، وتعنّتهم بإنزال الآيات التي تضطرّهم إلى الإيمان ، أنه لم يكن عنده خزائن الله حتى يأتيهم بما اقترحوه من الآيات ، والمراد : خزائن قدرته التي تشتمل على كلّ شيء من الأشياء ، ويقول لهم : إنه لا يعلم الغيب حتى يخبرهم به ، ويعرّفهم بما سيكون في مستقبل الدهر (وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ) حتى تكلّفوني من الأفعال الخارقة للعادة ما لا يطيقه البشر ، وليس في هذا ما يدل على أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، وقد اشتغل بهذه المفاضلة قوم من أهل العلم ، ولا يترتب على ذلك فائدة دينية ولا دنيوية. بل الكلام في مثل هذا من الاشتغال بما لا يعني ، ومن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَ) أي ما أتبع إلا ما يوحيه الله إليّ ، وقد تمسك بذلك من لم يثبت اجتهاد الأنبياء عملا بما يفيده القصر في هذه الآية ، والمسألة مدوّنة في الأصول والأدلة عليها معروفة ، وقد صحّ عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «أوتيت القرآن ومثله معه» (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ) هذا الاستفهام للإنكار ، والمراد : أنه لا يستوي الضالّ والمهتدي ، أو المسلم والكافر أو من اتبع ما أوحي إليه ومن لم يتبعه ، والكلام تمثيل (أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) في ذلك حتى تعرفوا عدم الاستواء بينهما ، فإنه بين ، لا يلتبس على من له أدنى عقل وأقلّ تفكر. قوله : (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ) الإنذار : الإعلام ، والضمير في به راجع إلى ما يوحى ؛ وقيل إلى الله ؛ وقيل : إلى اليوم الآخر. وخصّ الذين يخافون أن يحشروا ؛ لأنّ الإنذار يؤثر فيهم لما حلّ بهم من الخوف ، بخلاف من لا يخاف الحشر من طوائف الكفر لجحوده به وإنكاره