إلى نقل عن الشارع وإلا فهو كلام لا طائل تحته. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن زيد قال : المبلس : المجهود المكروب الذي قد نزل به الشرّ الذي لا يدفعه ، والمبلس أشد من المستكين ، وفي قوله : (فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا) قال : استؤصلوا.
(قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصارَكُمْ وَخَتَمَ عَلى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآياتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ (٤٦) قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ (٤٧) وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٤٨) وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا يَمَسُّهُمُ الْعَذابُ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (٤٩))
هذا تكرير للتّوبيخ لقصد تأكيد الحجّة عليهم ، ووحد السمع لأنه مصدر يدل على الجمع بخلاف البصر ولهذا جمعه ، والختم : الطبع ، وقد تقدّم تحقيقه في البقرة ، والمراد : أخذ المعاني القائمة بهذه الجوارح ، أو أخذ الجوارح نفسها ، والاستفهام في (مَنْ إِلهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ) للتوبيخ ، و (مَنْ) مبتدأ ، و (إِلهٌ) خبره ، و (غَيْرُ اللهِ) صفة للخبر ، ووحد الضمير في (بِهِ) مع أن المرجع متعدّد ، على معنى : فمن يأتيكم بذلك المأخوذ أو المذكور ، وقيل : الضمير راجع إلى أحد هذه المذكورات ، وقيل : إن الضمير بمنزلة اسم الإشارة : أي يأتيكم بذلك المذكور ، ثم أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالنظر في تصريف الآيات وعدم قبولهم لها تعجيبا له من ذلك ، والتصريف : المجيء بها على جهات مختلفة ، تارة إنذار ، وتارة إعذار ، وتارة ترغيب ، وتارة ترهيب ، وقوله : (ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ) عطف على نصرف ، ومعنى يصدفون : يعرضون ، يقال : صدف عن الشيء : إذا أعرض عنه صدفا وصدوفا. قوله : (قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللهِ) أي أخبروني عن ذلك ، وقد تقدّم تفسير البغتة قريبا أنها الفجأة. قال الكسائي : بغتهم يبغتهم بغتا وبغتة : إذا أتاهم فجأة ، أي من دون تقديم مقدّمات تدل على العذاب ، والجهرة أن يأتي العذاب بعد ظهور مقدمات تدل عليه ؛ وقيل البغتة : إتيان العذاب ليلا ، والجهرة : إتيان العذاب نهارا كما في قوله تعالى : (بَياتاً أَوْ نَهاراً) (١). (هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) الاستفهام للتقرير : أي ما يهلك هلاك تعذيب وسخط إلا القوم الظالمون. وقرئ : (يُهْلَكُ) على البناء للفاعل. قال الزجاج : معناه هل يهلك إلا أنتم ومن أشبهكم؟ انتهى. قوله : (وَما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) كلام مبتدأ لبيان الغرض من إرسال الرسل ، أي مبشرين لمن أطاعهم بما أعدّ الله له من الجزاء العظيم ، ومنذرين لمن عصاهم بما له عند الله من العذاب الوبيل ؛ وقيل : مبشرين في الدنيا بسعة الرزق وفي الآخرة بالثواب ، ومنذرين : مخوّفين بالعقاب ، وهما حالان مقدّرتان : أي ما نرسلهم إلا مقدّرين تبشيرهم وإنذارهم (فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ) أي آمن بما جاءت به الرسل (وَأَصْلَحَ) حال نفسه بفعل ما يدعونه إليه (فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ) بوجه من الوجوه (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بحال من الأحوال ، هذا حال من آمن وأصلح ، وأما حال المكذبين ؛ فهو أنه يمسهم العذاب بسبب فسقهم ؛ أي خروجهم عن التصديق والطاعة.
__________________
(١). يونس : ٥٠.