له ، فإنه لا يؤثر فيه ذلك. قيل : ومعنى يخافون : يعلمون ويتيقنون أنهم محشورون ، فيشمل كل من آمن بالبعث من المسلمين وأهل الذمة وبعض المشركين ؛ وقيل معنى الخوف على حقيقته ، والمعنى : أنه ينذر به من يظهر عليه الخوف من الحشر عند أن يسمع النبي صلىاللهعليهوسلم يذكره وإن لم يكن مصدقا به في الأصل ، لكنه يخاف أن يصح ما أخبر به النبي صلىاللهعليهوسلم ، فإن من كان كذلك تكون الموعظة فيه أنجع والتذكير له أنفع. قوله : (لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ) الجملة في محل نصب على الحال ، أي أنذر به هؤلاء الذين يخافون الحشر حال كونهم لا وليّ لهم يواليهم ولا نصير يناصرهم ولا شفيع يشفع لهم من دون الله ، وفيه ردّ على من زعم من الكفار المعترفين بالحشر أن آباءهم يشفعون لهم ، وهم أهل الكتاب ، أو أن أصنامهم تشفع لهم ، وهم المشركون. قوله : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) الدعاء : العبادة مطلقا ؛ وقيل : المحافظة على صلاة الجماعة ؛ وقيل : الذكر وقراءة القرآن ؛ وقيل : المراد : الدعاء لله بجلب النفع ودفع الضرر. قيل : والمراد بذكر الغداة والعشيّ : الدوام على ذلك والاستمرار ؛ وقيل : هو على ظاهره ، و (يُرِيدُونَ وَجْهَهُ) في محل نصب على الحال. والمعنى : أنهم مخلصون في عبادتهم لا يريدون بذلك إلا وجه الله تعالى : أي يتوجهون بذلك إليه لا إلى غيره. قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ) هذا كلام معترض بين النهي وجوابه ، متضمن لنفي الحامل على الطرد : أي حساب هؤلاء الذين أردت أن تطردهم موافقة لمن طلب ذلك منك هو على أنفسهم ما عليك منه شيء ، وحسابك على نفسك ما عليهم منه شيء ، فعلام تطردهم؟ هذا على فرض صحة وصف من وصفهم بقوله : (ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا) (١) وطعن عندك في دينهم وحسبهم ، فكيف وقد زكّاهم الله عزوجل بالعبادة والإخلاص ، وهذا هو مثل قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٢) وقوله : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلَّا ما سَعى) (٣) وقوله : (إِنْ حِسابُهُمْ إِلَّا عَلى رَبِّي) (٤). قوله : (فَتَطْرُدَهُمْ) جواب النفي في قوله : (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) وهو من تمام الاعتراض : أي إذا كان الأمر كذلك فأقبل عليهم ، وجالسهم ، ولا تطردهم ، مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدين والفضل ، ومن في (ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) للتبعيض ، والثانية للتوكيد ، وكذا في (ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ). قوله : (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) جواب للنهي ، أعني : (وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ) أي فإن فعلت ذلك كنت من الظالمين ، وحاشاه عن وقوع ذلك ، وإنما هو من باب التعريض لئلا يفعل ذلك غيره صلىاللهعليهوسلم من أهل الإسلام كقوله تعالى : (لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ) (٥) ، وقيل : إن (فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ) معطوف على (فَتَطْرُدَهُمْ) على طريق التسبب ، والأوّل أولى. قوله : (وَكَذلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ) أي مثل ذلك الفتن العظيم فتنا بعض الناس ببعض ، والفتنة الاختبار : أي عاملناهم معاملة المختبرين ، واللام في (لِيَقُولُوا) للعاقبة : أي ليقول البعض الأوّل مشيرين إلى البعض الثاني (أَهؤُلاءِ) الذين (مَنَّ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا) أي أكرمهم بإصابة الحق دوننا. قال النحاس : وهذا من المشكل ، لأنه يقال : كيف فتنوا ليقولوا هذا القول وهو إن كان على طريقة الإنكار كفر ، وأجاب بجوابين : الأوّل أن ذلك واقع منهم على طريقة الاستفهام لا على سبيل الإنكار ؛ والثاني
__________________
(١). هود : ٢٧.
(٢). الأنعام : ١٦٤.
(٣). النجم : ٣٩.
(٤). الشعراء : ١١٣.
(٥). الزمر : ٦٥.