مثل ضربه الله لخلقه نهيا لهم عن مسألة الآيات لأنبيائه ، وقال الحسن : وعدهم بالإجابة ، فلما قال : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) استغفروا الله وقالوا : لا نريدها. قوله : (فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ) أي بعد تنزيلها (فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً) أي تعذيبا (لا أُعَذِّبُهُ) صفة لعذابا ، والضمير عائد إلى العذاب بمعنى التعذيب : أي لا أعذب مثل ذلك التعذيب (أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) قيل : المراد عالمي زمانهم ، وقيل : جميع العالمين ، وفي هذا من التهديد والترهيب ما لا يقادر قدره.
وقد أخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عائشة قالت : كان الحواريون أعلم بالله من أن يقولوا : (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ) إنما قالوا : هل تستطيع أنت ربك أن تدعوه ، ويؤيد هذا ما أخرجه الحاكم وصححه والطبراني وابن مردويه عن معاذ بن جبل أنه قال : أقرأني رسول الله صلىاللهعليهوسلم هل تستطيع ربك بالتاء يعني الفوقية. وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد وابن المنذر وأبو الشيخ عن ابن عباس أنه قرأها كذلك. وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال : المائدة : الخوان ، وتطمئن : توقن. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السديّ في قوله : (تَكُونُ لَنا عِيداً) يقول : نتخذ اليوم الذي نزلت فيه عيدا نعظمه نحن ومن بعدنا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس : أنه كان يحدّث عن عيسى ابن مريم أنه قال لبني إسرائيل : هل لكم أن تصوموا لله ثلاثين يوما ثم تسألوه فيعطيكم ما سألتم؟ فإن أجر العامل على من عمل له ، ففعلوا ثم قالوا : يا معلم الخير ، قلت : لنا إن أجر العامل على من عمل له ، وأمرتنا أن نصوم ثلاثين يوما ففعلنا ، ولم نكن نعمل لأحد ثلاثين يوما إلا أطعمنا (هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً) إلى قوله : (أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) فأقبلت الملائكة تطير بمائدة من السماء عليها سبعة أحوات وسبعة أرغفة حتى وضعتها بين أيديهم ، فأكل منها آخر الناس كما أكل أوّلهم. وأخرج الترمذي وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ وابن مردويه عن عمار بن ياسر قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «نزلت المائدة من السماء خبزا ولحما ، وأمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغد ، فخافوا وادّخروا ورفعوا لغد فمسخوا قردة وخنازير» وقد روي موقوفا على عمار. قال الترمذي : والوقف أصح. وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال : المائدة سمكة وأريغفة. وأخرج ابن جرير من طريق العوفيّ عنه قال : نزلت على عيسى ابن مريم والحواريين خوان عليه سمك وخبز يأكلون منه أينما تولوا إذا شاؤوا. وأخرج ابن جرير نحوه عنه من طريق عكرمة. وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وأبو الشيخ عن عبد الله بن عمرو قال : إن أشدّ الناس عذابا يوم القيامة من كفر من أصحاب المائدة والمنافقون وآل فرعون.
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) ما قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ