الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قالَ اللهُ هذا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١١٩) لِلَّهِ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما فِيهِنَّ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١٢٠))
قوله : (وَإِذْ قالَ اللهُ) معطوف على ما قبله في محل نصب بعامله أو بعامل مقدّر هنا : أي أذكر. وقد ذهب جمهور المفسرين إلى أن هذا القول منه سبحانه هو يوم القيامة. والنكتة توبيخ عباد المسيح وأمه من النصارى. وقال السدّي وقطرب : إنه قال له هذا القول عند رفعه إلى السماء لما قالت النصارى فيه ما قالت ، والأوّل أولى : قيل : (وَإِذْ) هنا بمعنى إذا ، كقوله تعالى : (وَلَوْ تَرى إِذْ فَزِعُوا) (١) أي إذا فزعوا ، وقول أبي النجم :
ثمّ جزاه الله عنّي إذ جزى |
|
جنّات عدن في السّموات العلى |
أي إذا جزى ، وقول الأسود بن جعفر الأزدي :
فالآن إذ هازلتهنّ فإنّما |
|
يقلن ألا لم يذهب الشّيخ مذهبا |
أي إذا هازلتهنّ تعبيرا عن المستقبل بلفظ الماضي تنبيها على تحقيق وقوعه. وقد قيل في توجيه هذا الاستفهام منه تعالى إنه لقصد التوبيخ كما سبق ؛ وقيل : لقصد تعريف المسيح بأن قومه غيروا بعده وادّعوا عليه ما لم يقله. وقوله : (مِنْ دُونِ اللهِ) متعلق بقوله : (اتَّخِذُونِي) على أنه حال : أي متجاوزين الحدّ ، ويجوز أن يتعلق بمحذوف هو صفة لإلهين : أي كائنين من دون الله. قوله : (سُبْحانَكَ) تنزيه له سبحانه : أي أنزهك تنزيها (ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍ) أي ما ينبغي لي أن أدّعي لنفسي ما ليس من حقها (إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ) ردّ ذلك إلى علمه سبحانه ، وقد علم أنه لم يقله ، فثبت بذلك عدم القول منه. قوله : (تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ) هذه الجملة في حكم التعليل لما قبلها : أي تعلم معلومي ولا أعلم معلومك ، وهذا الكلام من باب المشاكلة كما هو معروف عند علماء المعاني والبيان ؛ وقيل المعنى : تعلم ما في غيبي ولا أعلم ما في غيبك ؛ وقيل : تعلم ما أخفيه ولا أعلم ما تخفيه ؛ وقيل : تعلم ما أريد ولا أعلم ما تريد. قوله : (ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ) هذه جملة مقرّرة لمضمون ما تقدّم : أي ما أمرتهم إلا بما أمرتني (أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ) هذا تفسير لمعنى (ما قُلْتُ لَهُمْ) أي ما أمرتهم ، وقيل : عطف بيان للمضمر في (بِهِ) وقيل : بدل منه (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) أي : حفيظا ورقيبا أرعى أحوالهم وأمنعهم عن مخالفة أمرك (ما دُمْتُ فِيهِمْ) أي : مدّة دوامي فيهم. (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) قيل : هذا يدل على أن الله سبحانه توفاه قبل أن يرفعه ، وليس بشيء لأن الأخبار قد تضافرت بأنه لم يمت ، وأنه باق في السماء على الحياة التي كان عليها في الدنيا حتى ينزل إلى الأرض آخر الزمان ، وإنما المعنى : فلما رفعتني إلى السماء. قيل : الوفاة في كتاب الله سبحانه جاءت على ثلاثة أوجه : بمعنى الموت ، ومنه قوله تعالى : (اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها) (٢) وبمعنى النوم ، ومنه قوله تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ) (٣) أي ينيمكم ،
__________________
(١). سبأ : ٥١.
(٢). الزمر : ٤٢.
(٣). الأنعام : ٦٠.