(يَوْمَ يَجْمَعُ اللهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ) فيفزعون فيقولون : (لا عِلْمَ لَنا) فتردّ إليهم أفئدتهم فيعلمون. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السديّ في الآية قال : ذلك أنهم نزلوا منزلا ذهلت فيه العقول ، فلما سئلوا قالوا : لا علم لنا ، ثم نزلوا منزلا آخر فشهدوا على قومهم. وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال : قالوا : لا علم لنا فرقا يذهل عقولهم ، ثم يردّ الله إليهم عقولهم فيكونون هم الذين يسألون بقول الله : (فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ) (١). وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إذا كان يوم القيامة يدعى بالأنبياء وأممها ، ثم يدعى بعيسى فيذكره نعمته عليه فيقرّ بها ، فيقول : (يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلى والِدَتِكَ) الآية ، ثم يقول : (أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ)؟ فينكر أن يكون قال ذلك ، فيؤتى بالنصارى فيسألون ، فيقولون : نعم هو أمرنا بذلك ، فيطول شعر عيسى حتى يأخذ كل ملك من الملائكة بشعرة من شعر رأسه وجسده ، فيجاثيهم بين يدي الله مقدار ألف عام حتى يوقع عليهم الحجّة ، ويرفع لهم الصليب ، وينطلق بهم إلى النار». وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّناتِ) أي بالآيات التي وضع على يديه : من إحياء الموتى ، وخلقه من الطين كهيئة الطير ، وإبراء الأسقام والخبر بكثير من الغيوب. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدّي في قوله : (وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ) يقول : قذفت في قلوبهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة نحوه.
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ قالَ اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (١١٢) قالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْها وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنا وَنَكُونَ عَلَيْها مِنَ الشَّاهِدِينَ (١١٣) قالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللهُمَّ رَبَّنا أَنْزِلْ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ تَكُونُ لَنا عِيداً لِأَوَّلِنا وَآخِرِنا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ (١١٤) قالَ اللهُ إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذاباً لا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ (١١٥))
قوله : (إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ) الظرف منصوب بفعل مقدر : أي اذكر أو نحوه كما تقدّم ، قيل : والخطاب لمحمد صلىاللهعليهوسلم. قرأ الكسائي «هل تستطيع» بالفوقية ، ونصب ربك ، وبه قرأ عليّ وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد ، وقرأ الباقون بالتحتية ورفع ربك. واستشكلت القراءة الثانية بأنه قد وصف سبحانه الحواريين بأنهم قالوا : (آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) والسؤال عن استطاعته لذلك ينافي ما حكوه عن أنفسهم. وأجيب بأن هذا كان في أوّل معرفتهم قبل أن تستحكم معرفتهم بالله ، ولهذا قال عيسى في الجواب عن هذا الاستفهام الصادر منهم : (اتَّقُوا اللهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) أي لا تشكوا في قدرة الله ؛ وقيل : إنهم ادّعوا الإيمان والإسلام دعوى باطلة ، ويردّه أن الحواريين هم خلصاء عيسى وأنصاره كما قال : (مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللهِ قالَ
__________________
(١). الأعراف : ٦٠.