اليه رجلان من ذوي رأيكم. فبعثوا عمرو بن العاص ، وعمارة بن أبى معيط ومعهم الهدايا : الإدم وغيره فركبا البحر حتى أتيا الحبشة فلما دخلا على النجاشي سجدا له وسلّما عليه ، وقالا له : إن قومنا لك ناصحون شاكرون ، ولأصحابك محبّون ، وأنهم بعثونا إليك لنحذر هؤلاء الذين قدموا عليك لأنهم قوم رجل كذاب ، خرج يزعم أنه رسول الله ، ولم يتابعه أحد منّا إلا السفهاء ، وإنا كنا قد ضيّقنا عليهم الأمر ، والجأناهم إلى شعب بأرضنا لا يدخل عليهم أحد فقتلهم الجوع والعطش ، فلما اشتدّ عليه الأمر بعث إليك ابن عمه ليفسد عليك دينك وملكك ورعيتك فاحذرهم وادفعهم إلينا لنكفيكم ، قال : وآية ذلك أنهم إذا دخلوا عليك لا يسجدون لك ، ولا يحيونك بالتحية التي يحييك بها الناس رغبة عن دينك وسنتك.
قال : فدعاهم النجاشي فلما حضروا صاح جعفر بالباب : يستأذن عليك حزب الله تعالى ، فقال النجاشي : مروا هذا الصائح فليعد كلامه ، ففعل جعفر ، فقال النجاشي : نعم فليدخلوا بأمان الله وذمته فنظر عمرو إلى صاحبه ، فقال : ألا تسمع كيف يرطنون بحزب الله وما أجابهم به الملك؟ فاسائهما ذلك.
ثم دخلوا عليه فلم يسجدوا له ، فقال عمرو بن العاص : ألا ترى أنهم يستكبرون أن يسجدوا لك؟ فقال لهم النجاشي : ما منعكم أن تسجدوا لي وتحيوني بالتحية التي يحييني بها من أتاني من الآفاق؟ قالوا : نسجد لله الذي خلقك وملّكك ، وانما كانت تلك التحية لنا ونحن نعبد الأوثان ، فبعث الله فينا نبيا صادقا ، فأمرنا بالتحية التي رضيها الله وهي السلام ، تحية أهل الجنة ، فعرف النجاشي أن ذلك حق ، وأنه في التوراة والإنجيل ، قال : أيكم الهاتف : يستأذن