قوله تعالى : (وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ).
ثناء جميل على جميع السعداء الذين وفوا بعهدهم وثبتوا على الصراط المستقيم ، وشيدوا اركان التوحيد القويم. وبشارة هامة لمن استقام على الطاعة لله عزوجل ، وتشويق للمؤمنين بالإيتمام بالمتقين الذين أبلوا البلاء الحسن في نصرة دين الله تعالى ، والاعتبار بما جرى عليهم والاتعاظ منهم ، وتثبيت لما ورد في الآيات السابقة ، فكأن الآية الشريفة خاتمة لجميع تلك الآيات ، واشتملت على مضمونها ، وتوبيخ لمن انهزم في احد فإنهم لم يستنوا بسنة المجاهدين الربانيين ، وإنذار للذين جاهدوا مع سيد الأنبياء وتحملوا انواع البلاء والأذى بأن لا يعجبوا بفعلهم ، فان سنة من قبلهم كانت كذلك أيضا.
وكأين : تفيد معنى كم الخبرية والتكثير ، وقد استعملت في القرآن الكريم في سبعة مواضع. و (من) بيانية. و (ربيون) هو المنسوب إلى الرب كما يقال رباني. وقال في الكشاف قرئ بالحركات الثلاث وانما كسرت الراء لتغيير النسب ، فان النسبة تكون معها تغييرات كثيرة في بناء الكلمة ، وقد تقدم في قوله تعالى : (وَلكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ) آل عمران ـ ٧٩ معنى الكلمة. وقيل : إن الكلمة مشتقة من (ربة) بكسر الراء أو ربوة وهي الجماعة ثم اختلفوا في عددها فقيل : انها الجموع الكثيرة ، قيل : انها ألوف ، وقيل : انها عشرة آلاف ، وقيل : انها ألوف الألوف ، وقد وردت في القولين الأخيرين روايتين ، ويمكن أن يكون المراد بذلك كمية خاصة اتصفوا بالربانية فيختلف عددهم حسب اختلاف الازمنة ، فلا نزاع في البين وكيف كان فنسبة الربي إلى الربوة يحتاج إلى تصرف زائد بقلب