ما لم يتخيلوه في الحسبان فلذلك كان هذا البرهان أوقع في النفوس من غيره لأنه كان به خلاصهم من العذاب في الآخرة والشقاء والحرمان في الدنيا وهذا الدليل حاصل مضمون الدليلين المتقدمين المشتملين على الحس والوجدان دون محض التقدير ومجرد الحسبان.
قوله تعالى : (كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
أي يبينها برهانا ووجدانا ومشاهدة لأجل اهتدائكم إلى حقيقة الايمان والاعتصام بحبل الله المبين وتدخلون في الصراط المستقيم وتتذكرون نعمه التي أنعمها الله تعالى على المسلمين.
قوله تعالى : (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ).
أمر سبحانه وتعالى بتكميل الغير بعد ما أمرهم بتكميل أنفسهم حيث ان الاعتصام بحبل الله تعالى المادة المهيأة لتوارد الصور الكمالية عليها. ومن المعلوم ان المادة لا فعلية لها الا بالصورة كما هو ثابت في الفلسفة الإلهية ، فلا بد من السعي في تحصيل تلك الصورة وهي الدعوة إلى الخير سواء كان من النبي أو الوصي أو من يقوم مقامهما في هذا الشأن.
وانما تكون الدعوة إلى الخير بمنزلة الصورة الفعلية للاعتصام بالله تعالى ، والدعوة إلى الخير هي من أهم الأسباب التي تكون دخيلة في رقي الامة وتقدمها في كل المجالات ، فهي تحفظ العلم عن الضياع والعمل عن الفساد. والمجتمع عن الانهيار في مهلكة الشرور ، فهي جامعة السعادة ومانعة الشقاوة ، وان القوانين المجعولة خالقية كانت أم خلقية انما يترتب الأثر عليها من حيث البقاء ومداومة العمل بها لا بمجرد حدوثها فقط ، وان البقاء يتقوم بأمرين :