جوهرة لا يعلم كنهها إلا الله سبحانه. ولكن آثارها عظيمة ، فهي التي تهيء العبد لنيل الكمالات الواقعية ، والسعادة الحقيقة ، والعبد يكون مظهرا من مظاهر تجلي الله تعالى ، وتظهر آثار العبودية على جميع جوارحه ، وأفعاله ، وأقواله ولحظاته ، فلا يخرج لحظة عن طور العبودية وزيّ الرقية ، ولا يعقل لمثل هذا العبد أن يدعو إلى غير الله تعالى ويتخذ غيره عزوجل ربا ، فانه خروج عن الفطرة واستبدال الطيب بالخبيث الذي هو قبيح عقلا.
والآية الشريفة ترشد الناس إلى نبذ كل أنحاء الأنانية ، وتدعو إلى العبودية الحقة ، والتوجه إلى الله الواحد الأحد ، والاعراض عن كل ما يبعد عن ذكر الله عزوجل ، وتحرضّهم إلى نيل الكمالات بالتعلم والتعليم ودراسة المعارف الحقة الإلهية ، وتبين أن الغرض الأقصى من سعي الإنسان في الدنيا أن يكون ربانيا قد تخلّق بأخلاق الله عزوجل وزكيّ نفسه بالتخلية عن الرذائل ، والتحلية بالفضائل ومكارم الأخلاق ليستعد بذلك أن يكون معلّما للمعارف الإلهية ، ومرشدا إلهيا ، وداعيا إلى كتاب الله تعالى ، ولا ينال هذه الدرجة إلا بتهذيب النفس وتزكيتها ، والتخلق بمكارم الأخلاق ، وتعلم المعارف الحقة وتعليمها فلا يليق بهذا المنصب كل متطاول ليس له حظ من ذلك ، فان الأغيار لا يمكنهم الوصول والتقرب إلى دار الحبيب إلا بعد الجهاد مع النفس والتزين بما يرضي المحبوب. وعلى مرشدي الامة وطلاب العلم لا سيما علوم الدين أن يزكوا أنفسهم أولا ويتخلقوا بمكارم الأخلاق ، وأن يكونوا داعين إلى الله تعالى علما وعملا بل يكونوا داعين إلى الله بعملهم اكثر من دعوتهم اليه بعلمهم ، ولا يخرجوا عن زي العبودية أبدا.