على كل المحدثات في كل زمان فليس في اللفظ ما يفيد هذا ، ولا في اشتقاقه ما يدل عليه ؛ وأما من جعل العالم أهل العصر ، فغايته أن يكونوا مفضلين على أهل عصور لا على أهل كل عصر ، فلا يستلزم ذلك تفضيلهم على أهل العصر الذين فيهم نبينا صلىاللهعليهوسلم ، ولا على ما بعده من العصور ، ومثل هذا الكلام ينبغي استحضاره عند تفسير قوله تعالى : (إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتاكُمْ ما لَمْ يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعالَمِينَ) (١) وعند قوله تعالى : (وَلَقَدِ اخْتَرْناهُمْ عَلى عِلْمٍ عَلَى الْعالَمِينَ) (٢) وعند قوله : (إِنَّ اللهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ وَآلَ عِمْرانَ عَلَى الْعالَمِينَ) (٣) فإن قيل : إن التعريف في العالمين يدل على شموله لكل عالم. قلت : لو كان الأمر هكذا لم يكن ذلك مستلزما لكونهم أفضل من أمة محمد صلىاللهعليهوسلم لقوله تعالى : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) (٤) فإن هذه الآية ونحوها تكون مخصصة لتلك الآيات. وقوله : (وَاتَّقُوا يَوْماً) أمر معناه الوعيد ، وقد تقدم معنى التقوى. والمراد باليوم : يوم القيامة ؛ أي عذابه. وقوله : (لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) في محل نصب صفة ليوم ، والعائد محذوف. قال البصريون في هذا وأمثاله تقديره فيه. وقال الكسائي : هذا خطأ ، بل التقدير : لا تجزيه. لأن حذف الظرف لا يجوز ، ويجوز حذف الضمير وحده. وقد روي عن سيبويه والأخفش والزّجّاج جواز الأمرين. ومعنى لا تجزي : لا تكفي وتقضي ، يقال : جزى عني هذا الأمر يجزي : أي قضى ، واجتزأت بالشيء اجتزاء : أي اكتفيت ، ومنه قول الشاعر :
فإنّ الغدر في الأقوام عار |
|
وأنّ الحرّ يجزي (٥) بالكراع |
والمراد أن هذا اليوم لا تقضي نفس عن نفس شيئا ولا تكفي عنها ، ومعنى التنكير التحقير : أي شيئا يسيرا حقيرا ، وهو منصوب على المفعولية أو على أنه صفة مصدر محذوف ؛ أي جزاء حقيرا ، والشفاعة مأخوذة من الشفع وهو الاثنان ، تقول استشفعته : أي سألته أن يشفع لي : أي يضمّ جاهه إلى جاهك عند المشفوع إليه ليصل النفع إلى المشفوع له ، وسميت الشفعة شفعة : لأنك تضم ملك شريكك إلى ملكك. وقد قرأ ابن كثير وأبو عمرو : تقبل بالمثناة الفوقية لأن الشفاعة مؤنثة ، وقرأ الباقون : بالياء التحتية لأنها بمعنى الشفيع. قال الأخفش : الأحسن التذكير. وضمير منها يرجع إلى النفس المذكورة ثانيا ؛ أي إن جاءت بشفاعة شفيع ، ويجوز أن يرجع إلى النفس المذكورة أولا : أي إذا شفعت لم يقبل منها. والعدل بفتح العين : الفداء ، وبكسرها : المثل. يقال عدل وعديل ، للذي ماثل في الوزن والقدر. وحكى ابن جرير : أن في العرب من يكسر العين في معنى الفدية. والنصر : العون ، والأنصار : الأعوان ، وانتصر الرجل : انتقم ، والضمير : أي هم يرجع إلى النفوس المدلول عليها بالنكرة في سياق النفي ، والنفس تذكر وتؤنث. وقوله : (إِذْ نَجَّيْناكُمْ) متعلق بقوله : (اذْكُرُوا) والنجاة : النجوة من الأرض ، وهي ما ارتفع منها ، ثم سمّى كل فائز ناجيا. وآل فرعون : قومه ، وأصل آل : أهل بدليل تصغيره على أهيل ، وقيل : غير ذلك ، وهو يضاف إلى ذوي الخطر. قال الأخفش : إنما يقال في الرئيس الأعظم ، نحو آل محمد. ولا يضاف إلى البلدان فلا يقال من آل
__________________
(١). المائدة : ٢٠.
(٢). الدخان : ٣٢.
(٣). آل عمران : ٣٣.
(٤). آل عمران : ١١٠.
(٥). في القرطبي «يجزأ».