ولا تعرف الخشوع؟ ليس الخشوع بأكل الخشن ولبس الخشن وتطأطئ الرأس ، لكن الخشوع أن ترى الشريف والدنيء في الحق سواء ، وتخشع لله في كل فرض افترض عليك. انتهى. وما أحسن ما قاله بعض المحققين في بيان ماهيته : إنه هيئة في النفس يظهر منها في الجوارح سكون وتواضع ، واستثنى سبحانه الخاشعين ـ مع كونهم باعتبار استعمال جوارحهم في الصلاة ، وملازمتهم لوظائف الخشوع الذي هو روح الصلاة ، وإتعابهم إتعابا عظيما في الأسباب الموجبة للحضور والخضوع ـ لأنهم لما يعلمونه من تضاعف الأجر وتوفر الجزاء والظفر بما وعد الله به من عظيم الثواب ، تسهل عليهم تلك المتاعب ، ويتذلل لهم ما يرتكبونه من المصاعب ، بل يصير ذلك لذة لهم خالصة وراحة عندهم محضة ، ولأمر ما هان على قوم ما يلاقونه من حرّ السيوف عند تصادم الصفوف ، وكانت الأمنية عندهم طعم المنية حتى قال قائلهم :
ولست أبالي حين أقتل مسلما |
|
على أيّ جنب كان في الله مصرعي |
والظن هنا عند الجمهور بمعنى اليقين ، ومنه قوله تعالى : (إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ) وقوله : (فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها) ومنه قول دريد بن الصمة :
فقلت لهم ظنّوا بألفي مدجّج |
|
سراتهم في الفارسيّ المسرّد |
وقيل : إن الظن في الآية على بابه ، ويضمر في الكلام بذنوبهم ، فكأنهم توقعوا لقاءه مذنبين ، ذكره المهدوي والماوردي ، والأوّل أولى. وأصل الظن : الشك مع الميل إلى أحد الطرفين ، وقد يقع موقع اليقين في مواضع ، منها هذه الآية. ومعنى قوله : (مُلاقُوا رَبِّهِمْ) ملاقو جزائه ، والمفاعلة هنا ليست على بابها ، ولا أرى في حمله على أصل معناه من دون تقدير المضاف بأسا. وفي هذا مع ما بعده من قوله : (وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ راجِعُونَ) إقرار بالبعث وما وعد الله به في اليوم الآخر. وقد أخرج ابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَارْكَعُوا) قال : صلوا. وأخرج ابن أبي حاتم أيضا عن مقاتل في قوله (وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ) قال : أمرهم أن يركعوا مع أمة محمد يقول : كونوا منهم ومعهم. وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) الآية ، قال : أولئك أهل الكتاب كانوا يأمرون الناس بالبرّ وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب ولا ينتفعون بما فيه. وأخرج الثعلبي والواحدي عن ابن عباس قال : نزلت هذه الآية في يهود أهل المدينة ، كان الرجل منهم يقول لصهره ولذي قرابته ولمن بينه وبينه رضاع من المسلمين : اثبت على الدين الذي أنت عليه وما يأمرك به هذا الرجل ، يعنون محمدا صلىاللهعليهوسلم ، فإن أمره حق ، وكانوا يأمرون الناس بذلك ولا يفعلونه. وأخرج ابن جرير عنه في قوله : (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ) قال : بالدخول في دين محمد. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عنه في الآية قال : تنهون الناس عن الكفر بما عندكم من النبوّة والعهد من التوراة ، وأنتم تكفرون بما فيها من عهدي إليكم في تصديق رسلي؟ وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وابن جرير والبيهقي عن أبي الدرداء في الآية قال : لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يمقت الناس في ذات الله ، ثم يرجع إلى نفسه فيكون لها أشد مقتا. وأخرج أحمد وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبزار وابن المنذر