الداخلة على الصبر من الشمول ، كما أن المراد بالصلاة هنا جميع ما تصدق عليه الصلاة الشرعية من غير فرق بين فريضة ونافلة. واختلف المفسرون في رجوع الضمير في قوله : (وَإِنَّها لَكَبِيرَةٌ) فقيل إنه راجع إلى الصلاة وإن كان المتقدم هو الصبر والصلاة فقد يجوز إرجاع الضمير إلى أحد الأمرين المتقدم ذكرهما. كما قال تعالى : (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ) (١) إذا كان أحدهما داخلا تحت الآخر بوجه من الوجوه ، ومنه قول الشاعر :
إن شرخ الشباب والشعر الأس |
|
ود ما لم يعاص كان جنونا |
ولم يقل ما لم يعاصا بل جعل الضمير راجعا إلى الشباب ، لأن الشعر الأسود داخل فيه ؛ وقيل إنه عائد إلى الصلاة من دون اعتبار دخول الصبر تحتها لأن الصبر هو عليها ، كما قيل سابقا ؛ وقيل إن الضمير راجع إلى الصلاة وإن كان الصبر مرادا معها ، لكن لما كانت آكد وأعم تكليفا وأكثر ثوابا كانت الكناية بالضمير عنها ، ومنه قوله : (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللهِ) (٢) كذا قيل : وقيل إن الضمير راجع إلى الأشياء المكنوزة ، ومثل ذلك قوله تعالى : (وَإِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها) (٣) فأرجع الضمير هنا إلى الفضة والتجارة لمّا كانت الفضة أعم نفعا وأكثر وجودا ، والتجارة هي الحاملة على الانقضاض ، والفرق بين هذا الوجه وبين الوجه الأوّل أن الصبر هناك جعل داخلا تحت الصلاة ، وهنا لم يكن داخلا وإن كان مرادا ؛ وقيل إن المراد الصبر والصلاة ، ولكن أرجع الضمير إلى أحدهما استغناء به عن الآخر ، ومنه قوله تعالى : (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) (٤) أي ابن مريم آية وأمه آية. ومنه قول الشاعر :
ومن يك أمسى بالمدينة رحله |
|
فإنّي وقيّار بها لغريب |
وقال آخر :
لكلّ همّ من الهموم سعة |
|
والصّبح والمسي لا فلاح معه |
وقيل رجع الضمير إليهما بعد تأويلهما بالعبادة ؛ وقيل رجع إلى المصدر المفهوم من قوله : (وَاسْتَعِينُوا) وهو الاستعانة ؛ وقيل رجع إلى جميع الأمور التي نهي عنها بنو إسرائيل. والكبيرة : التي نهي عنها بنو إسرائيل. والكبيرة : التي يكبر أمرها ويتعاظم شأنها على حاملها لما يجده عند تحملها والقيام بها من المشقة ، ومنه (كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ) (٥) والخاشع : هو المتواضع ، والخشوع : التواضع. قال في الكشاف : والخشوع : الإخبات والتطامن ، ومنه الخشعة للرملة المتطامنة وأما الخضوع : فاللين والانقياد ، ومنه خضعت بقولها : إذا لينته. انتهى. وقال الزجاج : الخاشع الذي يرى أثر الذل والخشوع عليه كخشوع الدار بعد الإقواء (٦) ، ومكان خاشع : لا يهتدى إليه ؛ وخشعت الأصوات : أي سكنت ، وخشع ببصره : إذا غضه ، والخشعة : قطعة من الأرض رخوة. وقال سفيان الثوري : سألت الأعمش عن الخشوع فقال : يا ثوريّ أنت تريد أن تكون إماما للناس
__________________
(١). التوبة : ٦٢.
(٢). التوبة : ٣٤.
(٣). الجمعة : ١١.
(٤). المؤمنون : ١٥٠.
(٥). الشورى : ١٣.
(٦). أقوت الدار : خلت من ساكنيها.