وذلك مختص بالأول. انتهى. والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعا ، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول ، فالخلاف لفظي. والمأمور بالتبشير قيل هو النبي صلىاللهعليهوسلم ، وقيل هو كل أحد كما في قوله صلىاللهعليهوسلم «بشر المشائين» وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها ، لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبرا وإنشاء. وقيل : إن قوله (وَبَشِّرِ) معطوف على قوله : (فَاتَّقُوا النَّارَ) ، وليس هذا بجيد. و (الصَّالِحاتِ) الأعمال المستقيمة. والمراد هنا : الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم ـ وفيه ردّ على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي ، فالجنّة تنال بالإيمان والعمل الصالح. والجنات : البساتين ، وإنما سميت جنات لأنها تجنّ من فيها : أي تستره بشجرها ، وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة. والأنهار : جمع نهر ، وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر ، والمراد : الماء الذي يجري فيها ، وأسند الجري إليها مجازا ، والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) أي أهلها وكما قال الشاعر :
نبّئت أنّ النّار بعدك أوقدت |
|
واستبّ بعدك يا كليب المجلس |
والضمير في قوله : (مِنْ تَحْتِهَا) عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار : أي من تحت أشجارها. وقوله : (كُلَّما رُزِقُوا) وصف آخر للجنات ، أو هو جملة مستأنفة كأن سائلا قال : كيف ثمارها؟ و (مِنْ ثَمَرَةٍ) في معنى : من أي ثمرة ، أي نوع من أنواع الثمرات. والمراد بقوله : (هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ) أنه شبيهه ونظيره ، لا أنه هو ، لأن ذات الحاضر لا تكون عين ذات الغائب لاختلافهما ، وذلك أن اللون يشبه اللون وإن كان الحجم والطعم والرائحة والماوية متخالفة. والضمير في به عائد إلى الرزق ، وقيل : المراد أنهم أتوا بما يرزقونه في الجنة متشابها فما يأتيهم في أول النهار يشابه الذي يأتيهم في آخره ، فيقولون : هذا الذي رزقنا من قبل ، فإذا أكلوا وجدوا له طعما غير طعم الأول. و (مُتَشابِهاً) منصوب على الحال. والمراد بتطهير الأزواج أنه لا يصيبهنّ ما يصيب النساء من قذر الحيض والنفاس وسائر الأدناس التي لا يمتنع تعلقها بنساء الدنيا. والخلود : البقاء الدائم الذي لا ينقطع ، وقد يستعمل مجازا فيما يطول ، والمراد هنا الأوّل. وقد أخرج ابن ماجة ، وابن أبي الدنيا في صفة الجنة ، والبزار وابن أبي حاتم وابن حبان والبيهقي وابن مردويه ، عن أسامة بن زيد قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «ألا هل مشمّر للجنّة فإن الجنّة لا خطر لها ، هي وربّ الكعبة نور يتلألأ ، وريحانة تهتزّ ، وقصر مشيد ، ونهر مطرّد ، وثمرة نضيجة ، وزوجة حسناء جميلة ، وحلل كثيرة ، ومقام في أبد ، في دار سليمة ، وفاكهة خضراء» الحديث. والأحاديث في وصف الجنة كثيرة جدا ثابتة في الصحيحين وغيرهما. وأخرج ابن أبي حاتم وابن حبان والطبراني والحاكم وابن مردويه ، والبيهقي في البعث ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «أنهار الجنّة تفجّر من تحت جبال مسك». وأخرج ابن أبي شيبة وأبو حاتم وأبو الشيخ وابن حبان ، والبيهقي في البعث وصحّحه ، عن ابن مسعود نحوه موقوفا. وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله : (تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) قال : يعني المساكن