الآخر ، وقيل : المراد بهم : المؤمنون من المهاجرين والأنصار كما سلف ، وأنهم جامعون بين هذه الأوصاف ، والإشارة بقوله : (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) إلى الرّاسخون وما عطف عليه. قوله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) هذا متصل بقوله : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ) والمعنى : أن أمر محمد صلىاللهعليهوسلم كأمر من تقدّمه من الأنبياء ، فما بالكم تطلبون منه ما لم يطلبه أحد من المعاصرين للرسل؟ والوحي : إعلام في خفاء ، يقال : وحى إليه بالكلام وحيا ، وأوحى يوحي إيحاء ، وخصّ نوحا لكونه أوّل نبيّ شرعت على لسانه الشرائع ، وقيل : غير ذلك ، والكافر في قوله : (كَما) نعت مصدر محذوف ، أي : إيحاء مثل إيحائنا إلى نوح ، أو حال ، أي : أوحينا إليك هذا الإيحاء حال كونه مشبها بإيحائنا إلى نوح. قوله : (وَأَوْحَيْنا إِلى إِبْراهِيمَ) معطوف على (أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَإِسْماعِيلَ وَإِسْحاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْباطِ) وهم أولاد يعقوب كما تقدّم (وَعِيسى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهارُونَ وَسُلَيْمانَ) خص هؤلاء بالذكر بعد دخولهم في لفظ النبيين تشريفا لهم كقوله : (وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ) (١) ، وقدّم عيسى على أيوب ومن بعده مع كونهم في زمان قبل زمانه ، ردا على اليهود الذين كفروا به ، وأيضا فالواو ليست إلا لمطلق الجمع. قوله : (وَآتَيْنا داوُدَ زَبُوراً) معطوف على أوحينا. والزبور : كتاب داود. قال القرطبي : وهو مائة وخمسون سورة ، ليس فيها حكم ولا حلال ولا حرام ، وإنما هي حكم ومواعظ. انتهى. قلت : هو مائة وخمسون مزمورا. والمزمور : فصل يشتمل على كلام لداود يستغيث بالله من خصومه ويدعو الله عليهم ويستنصره ، وتارة يأتي بمواعظ ، وكان يقول ذلك في الغالب في الكنيسة ، ويستعمل مع تكلمه بذلك شيئا من الآلات التي لها نغمات حسنة ، كما هو مصرّح بذلك في كثير من تلك المزمورات. والزبر : الكتابة. والزبور بمعنى المزبور ، وقرأ حمزة : (زَبُوراً) بضم الزاي ، جمع زبر كفلس وفلوس ، والزبر بمعنى المزبور ، والأصل في الكلمة : التوثيق ، يقال : بئر مزبورة ، أي : مطوية بالحجارة ، والكتاب سمي زبورا : لقوّة الوثيقة به. قوله : (وَرُسُلاً) منصوب بفعل مضمر يدل عليه (أَوْحَيْنا) أي : وأرسلنا رسلا (قَدْ قَصَصْناهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ) وقيل : هو منصوب بفعل دلّ عليه (قَصَصْناهُمْ) أي : وقصصنا رسلا ، ومثله ما أنشده سيبويه :
أصبحت لا أحمل السّلاح ولا |
|
أملك رأس البعير إن نفرا |
والذّئب أخشاه إن مررت به |
|
وحدي وأخشى الرّياح والمطرا |
أي : وأخشى الذئب. وقرأ أبيّ : رسل بالرفع على تقدير : ومنهم رسل. ومعنى : (مِنْ قَبْلُ) أنه قصهم عليه من قبل هذه السورة ، أو من قبل هذا اليوم. قيل : إنه لما قصّ الله في كتابه بعض أسماء أنبيائه ولم يذكر أسماء بعض قالت اليهود : ذكر محمد الأنبياء ولم يذكر موسى ، فنزل : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) وقراءة الجمهور : برفع الاسم الشريف ، على أن الله هو الذي كلم موسى. وقرأ النخعي ، ويحيى بن وثاب : بنصب الاسم الشريف ، على أن موسى هو الذي كلم الله سبحانه و (تَكْلِيماً) مصدر مؤكد. وفائدة التأكيد : دفع توهم كون التكليم مجازا ، كما قال الفراء : إن العرب تسمي ما وصل إلى الإنسان كلاما بأيّ
__________________
(١). البقرة : ٩٨.