طريق ؛ وقيل : ما لم يؤكد بالمصدر ، فإذا أكد لم يكن إلا حقيقة الكلام. قال النحاس : وأجمع النحويون : على أنك إذا أكدت الفعل بالمصدر لم يكن مجازا. قوله : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ) بدل من رسلا الأوّل ، أو منصوب بفعل مقدّر ، أي : وأرسلنا ، أو على الحال بأن يكون رسلا موطئا لما بعده ، أو على المدح : أي مبشرين لأهل الطاعات ومنذرين لأهل المعاصي. قوله : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) أي : معذرة يعتذرون بها ، كما في قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ) (١) وسميت المعذرة حجة مع أنه لم يكن لأحد من العباد على الله حجة : تنبيها على أن هذه المعذرة مقبولة لديه تفضلا منه ورحمة. ومعنى قوله : (بَعْدَ الرُّسُلِ) بعد إرسال الرسل (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً) لا يغالبه مغالب (حَكِيماً) في أفعاله التي من جملتها إرسال الرسل.
وقد أخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد : (وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللهِ كَثِيراً) قال : أنفسهم وغيرهم عن الحق. وأخرج ابن إسحاق في الدلائل عن ابن عباس في قوله : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) قال : نزلت في عبد الله بن سلام ، وأسيد بن شعبة ، وثعلبة بن شعبة ، حين فارقوا اليهود وأسلموا. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، والبيهقي في الدلائل عنه أن بعض اليهود قال : يا محمد! ما نعلم الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى ، فأنزل الله : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) الآية. وأخرج عبد بن حميد ، والحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، وابن حبان في صحيحه ، والحاكم ، وابن عساكر عن أبي ذر قال : «قلت : يا رسول الله! كم الأنبياء؟ قال : مائة ألف وأربعة وعشرون ألفا. قلت : كم الرسل منهم؟ قال : ثلاثمائة وثلاثة عشر ، جمّ غفير». وأخرج نحوه ابن أبي حاتم عن أبي أمامة مرفوعا إلا أنه قال : «والرّسل ثلاثمائة وخمسة عشر». وأخرج أبو يعلى والحاكم بسند ضعيف عن أنس قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «كان فيمن خلا من إخواني من الأنبياء ثمانية آلاف نبيّ ، ثم كان عيسى ، ثم كنت أنا بعده». وأخرج الحاكم عن أنس بسند ضعيف نحوه. وأخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا أحد أغير من الله ، من أجل ذلك حرّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن ؛ ولا أحد أحبّ إليه المدح من الله ، من أجل ذلك مدح نفسه ؛ ولا أحد أحبّ إليه العذر من الله ، من أجل ذلك بعث الله النبيّين مبشرين ومنذرين».
(لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً (١٦٦) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ قَدْ ضَلُّوا ضَلالاً بَعِيداً (١٦٧) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً (١٦٩) يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (١٧٠) يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقاها إِلى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا
__________________
(١). طه : ١٣٤.