قرأ الحسن ، ومالك بن دينار ، وجماعة : والمقيمون الصّلاة على العطف على ما قبله ، وكذا هو في مصحف ابن مسعود ، واختلف في وجه نصبه على قراءة الجمهور على أقوال : الأوّل : قول سيبويه : أنه نصب على المدح ، أي : وأعني المقيمين. قال سيبويه : هذا باب ما ينتصب على التعظيم ، ومن ذلك : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) وأنشد :
وكلّ قوم أطاعوا أمر سيّدهم |
|
إلا نميرا أطاعت أمر غاويها |
الظّاعنين ولمّا يظعنوا أحدا |
|
والقائلون لمن دار نخلّيها |
وأنشد :
لا يبعدنّ قومي الذين هم |
|
سمّ العداة وآفة الجزر |
النّازلين بكلّ معترك |
|
والطّيّبون معاقد الأزر |
قال النحاس : وهذا أصح ما قيل في المقيمين. وقال الكسائي والخليل : هو معطوف على قوله : (بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ) قال الأخفش : وهذا بعيد لأن المعنى يكون هكذا : ويؤمنون بالمقيمين. ووجهه محمد بن يزيد المبرد : أن المقيمين هنا هم الملائكة ، فيكون المعنى : يؤمنون بما أنزل إليك وبما أنزل من قبلك وبالملائكة ، واختار هذا. وحكى : أن النصب على المدح بعيد ، لأن المدح إنما يأتي بعد تمام الخبر ، وخبر الرّاسخون هو قوله : (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً) وقيل : إن المقيمين معطوف على الضمير في قوله : (مِنْهُمْ) وفيه أنه عطف على مضمر بدون إعادة الخافض. وحكي عن عائشة : أنها سئلت عن المقيمين في هذه الآية وعن قوله تعالى : (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) (١) وعن قوله : (وَالصَّابِئُونَ) (٢) في المائدة؟ فقالت : يا ابن أخي! الكتاب أخطئوا. أخرجه عنها أبو عبيد في فضائله ، وسعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر. وقال أبان بن عثمان : كان الكاتب يملي عليه فيكتب فكتب : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ) ثم قال ما أكتب؟ فقيل له اكتب (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ) فمن ثم وقع هذا. وأخرج عنه عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر. قال القشيري : وهذا باطل لأن الذين جمعوا الكتاب كانوا قدوة في اللغة فلا يظن بهم ذلك. ويجاب عن القشيري : بأنه قد روي عن عثمان بن عفان أنه فرغ من المصحف وأتي به إليه قال : أرى فيه شيئا من لحن ستقيمه العرب بألسنها. أخرجه عنه ابن أبي داود من طرق. وقد رجح قول سيبويه كثير من أئمة النحو والتفسير ، ورجح قول الخليل والكسائي ابن جرير الطبري والقفال ، وعلى قول سيبويه تكون الجملة معترضة بين المبتدأ والخبر على قول من قال : إن خبر «الرّاسخون» هو قوله : (أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ) أو بين المعطوف والمعطوف عليه إن جعلنا خبر «الرّاسخون» هو يؤمنون ، وجعلنا قوله : (وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ) عطفا على المؤمنون ، لا على قول سيبويه : أن المؤتون الزكاة مرفوع على الابتداء أو على تقدير مبتدأ محذوف ، أي : هم المؤتون الزكاة. قوله : (وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هم مؤمنو أهل الكتاب ، وصفوا أوّلا بالرسوخ في العلم ، ثم بالإيمان بكتب الله ، وأنهم : يقيمون الصلاة ، ويؤتون الزكاة ، ويؤمنون بالله واليوم
__________________
(١). طه : ٦٣.
(٢). المائدة : ٦٩.