إعدادات

في هذا القسم، يمكنك تغيير طريقة عرض الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم

فتح القدير [ ج ١ ]

فتح القدير [ ج ١ ]

596/632
*

إذا عتا. قال الأزهري : المريد : الخارج عن الطاعة. وقد مرد الرجل مرودا : إذا عتا وخرج عن الطاعة ، فهو مارد ومريد ومتمرّد. وقال ابن عرفة : هو الذي ظهر شرّه ، يقال : شجرة مرداء : إذا تساقط ورقها وظهرت عيدانها ، ومنه قيل للرجل : أمرد ، أي : ظاهر مكان الشعر من عارضيه. قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) أصل اللعن : الطرد والإبعاد. وقد تقدّم وهو في العرف : إبعاد مقترن بسخط. قوله : (وَقالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبادِكَ نَصِيباً مَفْرُوضاً) معطوف على قوله : (لَعَنَهُ اللهُ) ، والجملتان صفة لشيطان ، أي : شيطانا مريدا جامعا بين لعنة الله له وبين هذا القول الشنيع. والنصيب المفروض : هو المقطوع المقدّر ؛ أي : لأجعلنّ قطعة مقدّرة من عباد الله تحت غوايتي ، وفي جانب إضلالي ، حتى أخرجهم من عبادة الله إلى الكفر به. قوله : (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ) اللام : جواب قسم محذوف. والإضلال : الصرف عن طريق الهداية إلى طريق الغواية ، وهكذا اللام في قوله : (وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ) والمراد بالأماني التي يمنيهم بها الشيطان : هي الأماني الباطلة الناشئة عن تسويله ووسوسته. قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ) أي : ولآمرنهم ببتك آذان الأنعام ، أي : تقطيعها فليبتكنها بموجب أمري. والبتك : القطع ، ومنه سيف باتك ، يقال : بتكه وبتكه مخففا ومشدّدا ، ومنه قول زهير :

طارت وفي كفّه من ريشها بتك (١)

أي : قطع. وقد فعل الكفار ذلك امتثالا لأمر الشيطان واتباعا لرسمه ، فشقوا آذان البحائر والسوائب ، كما ذلك معروف. قوله : (وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ) أي : ولآمرنهم بتغيير خلق الله ، فليغيرنه بموجب أمري لهم. واختلف العلماء في هذا التغيير ما هو؟ فقالت طائفة : هو الخصاء ، وفقء الأعين ، وقطع الآذان. وقال آخرون : إن المراد بهذا التغيير : هو أن الله سبحانه خلق الشمس والقمر والأحجار والنار ونحوها من المخلوقات لما خلقها له ، فغيرها الكفار بأن جعلوها آلهة معبودة ، وبه قال الزجاج. وقيل : المراد بهذا التغيير : تغيير الفطرة التي فطر الله الناس عليها ، ولا مانع من حملى الآية على جميع هذه الأمور حملا شموليا أو بدليا.

وقد رخص طائفة من العلماء في خصاء البهائم إذا قصد بذلك زيادة الانتفاع به لسمن أو غيره ، وكره ذلك آخرون ، وأما خصاء بني آدم فحرام ، وقد كره قوم شراء الخصي. قال القرطبي : ولم يختلفوا أن خصاء بني آدم لا يحل ولا يجوز ، وأنه مثلة ، وتغيير لخلق الله ، وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود ، قاله أبو عمر ابن عبد البر. (وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللهِ) باتباعه وامتثال ما يأمر به ، من دون اتباع لما أمر الله به ولا امتثال له (فَقَدْ خَسِرَ خُسْراناً مُبِيناً) أي : واضحا ظاهرا (يَعِدُهُمْ) المواعيد الباطلة (وَيُمَنِّيهِمْ) الأماني العاطلة (وَما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلَّا غُرُوراً) أي : وما يعدهم الشيطان بما يوقعه في خواطرهم من الوساوس الفارغة (إِلَّا غُرُوراً) يغرّهم به ، ويظهر لهم فيه النفع وهو ضرر محض ،

__________________

(١). هذا عجز بيت ، وصدره : حتّى إذا ما هوت كفّ الغلام لها.