بالسنة ، ومفهوم الشرط لا يقوى على معارضة ما تواتر عنه صلىاللهعليهوسلم من القصر مع الأمن. وقد قيل : إن هذا الشرط خرّج مخرج الغالب ، لأن الغالب على المسلمين إذ ذاك القصر للخوف في الأسفار ، ولهذا قال يعلى ابن أمية لعمر ما قال كما تقدّم. وفي قراءة أبيّ : أن تقصروا من الصّلاة أن يفتنكم الذين كفروا بسقوط (إِنْ خِفْتُمْ) والمعنى على هذه القراءة : كراهة أن يفتنكم الذين كفروا. وذهب جماعة من أهل العلم : إلى أن هذه الآية إنما هي مبيحة للقصر في السفر للخائف من العدوّ ، فمن كان آمنا فلا قصر له. وذهب آخرون إلى أن قوله : (إِنْ خِفْتُمْ) ليس متصلا بما قبله وأن الكلام تمّ عند قوله : (مِنَ الصَّلاةِ) ثم افتتح فقال : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) فأقم لهم يا محمد صلاة الخوف. وقوله : (إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً) معترض ، ذكر معنى هذا الجرجاني ، والمهدوي ، وغيرهما. ورده القشيري ، والقاضي أبو بكر بن العربي. وقد حكى القرطبي عن ابن عباس معنى ما ذكره الجرجاني ومن معه ، ومما يرد هذا ويدفعه : الواو في قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ) وقد تكلف بعض المفسرين فقال : إن الواو زائدة ، وإن الجواب للشرط المذكور ، أعني قوله : (إِنْ خِفْتُمْ) هو قوله : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ) وذهب قوم إلى أن ذكر الخوف منسوخ بالسنة ، وهي : حديث عمر الذي قدّمنا ذكره ، وما ورد في معناه. قوله : (أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) قال الفراء : أهل الحجاز يقولون : فتنت الرجل ، وربيعة وقيس وأسد وجميع أهل نجد يقولون : أفتنت الرجل ، وفرق الخليل وسيبويه بينهما فقالا : فتنته : جعلت فيه فتنة مثل كحلته ، وأفتنته : جعلته مفتنا ، وزعم الأصمعي أنه لا يعرف أفتنته. والمراد بالفتنة : القتال والتعرّض بما يكره. قوله : (عَدُوًّا) أي أعداء. قوله : (وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) هذا خطاب لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ولمن بعده من أهل الأمر ، حكمه كما هو معروف في الأصول ، ومثله قوله تعالى : (خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً) (١) ونحوه ، وإلى هذا ذهب جمهور العلماء ، وشذ أبو يوسف ، وإسماعيل بن علية فقالا : لا تصلى صلاة الخوف بعد النبي صلىاللهعليهوسلم ، لأن هذا الخطاب خاص برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، قالا : ولا يلحق غيره به لما له صلىاللهعليهوسلم من المزية العظمى ، وهذا مدفوع ، فقد أمرنا الله باتباع رسوله والتأسي به ، وقد قال صلىاللهعليهوسلم «صلّوا كما رأيتموني أصلّي» والصحابة رضي الله عنهم أعرف بمعاني القرآن ، وقد صلوها بعد موته في غير مرّة كما ذلك معروف. ومعنى : (فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ) أردت الإقامة ، كقوله : (إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) (٢) ، وقوله : (فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ) (٣) قوله : (فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ) يعني : بعد أن تجعلهم طائفتين ؛ طائفة تقف بإزاء العدوّ ، وطائفة تقوم منهم معك في الصلاة (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) أي : الطائفة التي تصلي معه ؛ وقيل : الضمير راجع إلى الطائفة التي بإزاء العدوّ ، والأوّل أظهر ، لأن الطائفة القائمة بإزاء العدوّ لا بدّ أن تكون قائمة بأسلحتها ، وإنما يحتاج إلى الأمر بذلك من كان في الصلاة ، لأنه يظن أن ذلك ممنوع منه حال الصلاة فأمره الله بأن يكون آخذا لسلاحه ، أي : غير واضع له. وليس المراد الأخذ باليد ، بل المراد أن يكونوا حاملين لسلاحهم ليتناولوه من قرب إذا احتاجوا إليه ، وليكون ذلك أقطع لرجاء عدوّهم من إمكان فرصته فيهم. وقد قال بإرجاع الضمير من قوله : (وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ) إلى الطائفة القائمة بإزاء العدوّ ابن عباس ، قال : لأن المصلية لا تحارب ،
__________________
(١). التوبة : ١٠٣.
(٢). المائدة : ٦.
(٣). النحل : ٩٨.