وقال غيره : إن الضمير راجع إلى المصلية ، وجوّز الزجاج ، والنحاس أن يكون ذلك أمرا للطائفتين جميعا ، لأنه أرهب للعدوّ. وقد أوجب أخذ السلاح في هذه الصلاة أهل الظاهر حملا للأمر على الوجوب. وذهب أبو حنيفة : إلى أن المصلين لا يحملون السلاح وأن ذلك يبطل الصلاة ، وهو مدفوع بما في هذه الآية وبما في الأحاديث الصحيحة. قوله : (فَإِذا سَجَدُوا) أي : القائمون في الصلاة (فَلْيَكُونُوا) أي : الطائفة القائمة بإزاء العدوّ (مِنْ وَرائِكُمْ) أي : من وراء المصلين. ويحتمل أن يكون المعنى : فإذا سجد المصلون معه ، أي : أتموا الركعة ، تعبيرا بالسجود عن جميع الركعة ، أو عن جميع الصلاة (فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ) أي : فلينصرفوا بعد الفراغ إلى مقابلة العدوّ للحراسة (وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى) وهي القائمة في مقابلة العدو التي لم تصلّ (فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ) على الصفة التي كانت عليها الطائفة الأولى (وَلْيَأْخُذُوا) أي : هذه الطائفة الأخرى (حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) زيادة التوصية للطائفة الأخرى بأخذ الحذر مع أخذ السلاح. قيل : وجهه : أن هذه المرة مظنة لوقوف الكفرة على كون الطائفة القائمة مع النبي صلىاللهعليهوسلم في شغل شاغل ، وأما في المرة الأولى فربما يظنونهم قائمين للحرب ، وقيل : لأن العدوّ لا يؤخر قصده عن هذا الوقت ، لأنه آخر الصلاة ، والسلاح : ما يدفع به المرء عن نفسه في الحرب ، ولم يبين في الآية الكريمة كم تصلي كل طائفة من الطائفتين؟ وقد وردت صلاة الخوف في السنة المطهرة على أنحاء مختلفة ، وصفات متعددة ، وكلها صحيحة مجزئة ، من فعل واحدة منها فقد فعل ما أمر به ، ومن ذهب من العلماء إلى اختيار صفة دون غيرها فقد أبعد عن الصواب ، وقد أوضحنا هذا في شرحنا للمنتقى ، وفي سائر مؤلفاتنا. قوله : (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً) هذه الجملة متضمنة للعلة التي لأجلها أمرهم الله بالحذر وأخذ السلاح ، أي : ودّوا غفلتكم عن أخذ السلاح وعن الحذر ليصلوا إلى مقصودهم ، وينالوا فرصتهم ، فيشدّون عليكم شدّة واحدة ، والأمتعة : ما يتمتع به في الحرب ، ومنه : الزاد والراحلة. قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ) رخص لهم سبحانه في وضع السلاح إذا نالهم أذى من المطر وفي حال المرض ، لأنه يصعب مع هذين الأمرين حمل السلاح ، ثم أمرهم بأخذ الحذر لئلا يأتيهم العدو على غرّة وهم غافلون.
وقد أخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد عن أبي حنظلة قال : سألت ابن عمر عن صلاة السفر ، فقال : ركعتان ، قلت : فأين قوله تعالى : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ونحن آمنون؟ قال : سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وأخرج عبد بن حميد ، والنسائي ، وابن ماجة ، وابن حبان ، والبيهقي عن أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد أنه سأل ابن عمر : أرأيت قصر الصلاة في السفر؟ إنا لا نجدها في كتاب الله ، إنما نجد ذكر صلاة الخوف ، فقال ابن عمر : يا ابن أخي! إن الله أرسل محمدا صلىاللهعليهوسلم ولا نعلم شيئا ، فإنما نفعل كما رأينا رسول الله صلىاللهعليهوسلم يفعل ، وقصر الصلاة في السفر سنة سنها رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وفي الصحيحين وغيرهما عن حارثة بن وهب الخزاعي قال : صليت مع النبي صلىاللهعليهوسلم الظهر والعصر بمنى ـ أكثر ما كان الناس وآمنه ـ ركعتين. وأخرج ابن أبي شيبة ، والترمذي ، وصححه ، والنسائي عن ابن عباس قال : صلينا مع رسول