خرج ضمرة بن جندب من بيته مهاجرا ، فقال لقومه : احملوني فأخرجوني من أرض الشرك إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فمات في الطريق قبل أن يصل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم ، فنزل الوحي : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من وجه آخر عنه نحوه. وأخرج ابن سعد ، وأحمد ، والحاكم ، وصححه عن عبد الله بن عتيك قال : سمعت النبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : «من خرج من بيته مجاهدا في سبيل الله ، وأين المجاهدون في سبيل الله؟ فخرّ عن دابّته فمات فقد وقع أجره على الله ، أو لدغته دابّة فمات فقد وقع أجره على الله ، أو مات حتف أنفه فقد وقع أجره على الله» ـ يعني بحتف أنفه : على فراشه ، والله إنها لكلمة ما سمعتها من أحد من العرب قبل رسول الله صلىاللهعليهوسلم ـ «ومن قتل قعصا (١) فقد استوجب الجنّة». وأخرج أبو يعلى ، والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «من خرج حاجّا فمات كتب له أجر الحاجّ إلى يوم القيامة ، ومن خرج معتمرا فمات كتب له أجر المعتمر إلى يوم القيامة ، ومن خرج غازيا في سبيل الله فمات كتب له أجر الغازي إلى يوم القيامة». قال ابن كثير : وهذا حديث غريب من هذا الوجه.
(وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكافِرِينَ كانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِيناً (١٠١) وَإِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَلْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً (١٠٢))
قوله : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ) قد تقدّم تفسير الضرب في الأرض قريبا. قوله : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) فيه دليل : على أن القصر ليس بواجب ، وإليه ذهب الجمهور. وذهب الأقلون : إلى أنه واجب ، ومنهم : عمر بن عبد العزيز ، والكوفيون ، والقاضي إسماعيل ، وحماد بن أبي سليمان ، وهو مرويّ عن مالك. واستدلوا بحديث عائشة الثابت في الصحيح : «فرضت الصّلاة ركعتين ركعتين فزيدت في الحضر وأقرّت في السّفر». ولا يقدح في ذلك مخالفتها لما روت ، فالعمل على الرواية الثابتة عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ومثله : حديث يعلى بن أمية قال : سألت عمر بن الخطاب ، قلت : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) وقد أمن الناس ، فقال لي عمر : عجبت مما عجبت منه ، فسألت رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن ذلك فقال : «صدقة تصدّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» أخرجه أحمد ، ومسلم ، وأهل السنن. وظاهر قوله : «فاقبلوا صدقته» : أن القصر واجب. قوله : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا) ظاهر هذا الشرط أن القصر لا يجوز في السفر إلّا مع خوف الفتنة من الكافرين لا مع الأمن ، ولكنه قد تقرّر بالسنة أن النبي صلىاللهعليهوسلم قصر مع الأمن كما عرفت ، فالقصر مع الخوف ثابت بالكتاب ، والقصر مع الأمن ثابت
__________________
(١). قعصا : قعصه بالرمح قعصا : طعنه بالرمح طعنا سريعا ، وقعصه : قتله مكانه.