اسم إن معنى الشرط (وَساءَتْ) أي : جهنم (مَصِيراً) أي : مكانا يصيرون إليه. قوله : (إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ) هو استثناء من الضمير في مأواهم ، وقيل : استثناء منقطع ، لعدم دخول المستضعفين في الموصول وضميره. وقوله : (مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) متعلق بمحذوف ، أي : كائنين منهم ، والمراد بالمستضعفين من الرجال : الزمنى ونحوهم ، والولدان : كعياش بن أبي ربيعة وسلمة بن هشام ؛ وإنما ذكر الولدان مع عدم التكليف لهم لقصد المبالغة في أمر الهجرة ، وإيهام أنها تجب لو استطاعها غير المكلف ، فكيف من كان مكلفا ؛ وقيل : أراد بالولدان : المراهقين والمماليك. قوله : (لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً) صفة للمستضعفين ، أو : للرجال والنساء والولدان ، أو : حال من الضمير في المستضعفين ، وقيل : الحيلة : لفظ عام لأنواع أسباب التخلص ، أي : لا يجدون حيلة ولا طريقا إلى ذلك ، وقيل : السبيل : سبيل المدينة (فَأُولئِكَ) إشارة إلى المستضعفين الموصوفين بما ذكر (عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ) وجيء بكلمة الإطماع لتأكيد أمر الهجرة ، حتى يظن أن تركها ممن لا تجب عليه يكون ذنبا يجب طلب العفو عنه. قوله : (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) هذه الجملة متضمنة للترغيب في الهجرة والتنشيط إليها. وقوله : (فِي سَبِيلِ اللهِ) فيه دليل : على أن الهجرة لا بدّ أن تكون بقصد صحيح ، ونية خالصة غير مشوبة بشيء من أمور الدنيا ، ومنه الحديث الصحيح : «فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوّجها فهجرته إلى ما هاجر إليه».
وقد اختلف في معنى قوله سبحانه (يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً) : فقال ابن عباس ، وجماعة من التابعين ، ومن بعدهم : المراغم : التحوّل والمذهب. وقال مجاهد : المراغم : المتزحزح. وقال ابن زيد : المراغم المهاجر ، وبه قال أبو عبيدة. قال النحاس : فهذه الأقوال متفقة المعاني ، فالمراغم : المذهب والمتحول ، وهو الموضع الذي يراغم فيه ، وهو مشتق من الرغام وهو التراب ، ورغم أنف فلان ، أي : لصق بالتراب ، وراغمت فلانا : هجرته وعاديته ولم أبال أن رغم أنفه ، وقيل : إنما سمي مهاجرا ومراغما : لأن الرجل كان إذا أسلم عادى قومه وهجرهم ، فسمى خروجه مراغما ، وسمي مسيره إلى النبي صلىاللهعليهوسلم هجرة. والحاصل في معنى الآية : أن المهاجر يجد في الأرض مكانا يسكن فيه على رغم أنف قومه الذين جاورهم ، أي : على ذلهم وهوانهم. قوله : (وَسَعَةً) أي : في البلاد ؛ وقيل : في الرزق ، ولا مانع من حمل السعة على ما هو أعمّ من ذلك. قوله : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) قرئ : يدركه بالجزم ، على أنه معطوف على فعل الشرط ، وبالرفع ، على أنه خبر مبتدأ محذوف ، وبالنصب على إضمار أن. والمعنى : أن من أدركه الموت قبل أن يصل إلى مطلوبه ، وهو المكان الذي قصد الهجرة إليه ، أو الأمر الذي قصد الهجرة له (فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ) أي : ثبت ذلك عنده ثبوتا لا يتخلف (وَكانَ اللهُ غَفُوراً) أي : كثير المغفرة (رَحِيماً) أي : كثير الرحمة. وقد استدلّ بهذه الآية : على أن الهجرة واجبة على كل من كان بدار الشرك ، أو بدار يعمل فيها بمعاصي الله جهارا ، إذا كان قادرا على الهجرة ولم يكن من المستضعفين ، لما في هذه الآية الكريمة من العموم ، وإن كان السبب خاصا كما تقدّم. وظاهرها : عدم الفرق