أمراض وأوجاع ، فأنزل الله عذرهم من السماء. وأخرج سعيد بن منصور ، وعبد بن حميد عن أنس بن مالك قال : نزلت هذه الآية في ابن أم مكتوم ، ولقد رأيته في بعض مشاهد المسلمين معه اللواء. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله : (فَضَّلَ اللهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً) قال : على أهل الضرر. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة في قوله : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى) قال : الجنة. وأخرج ابن جرير عن ابن جريج قال : كان يقال : الإسلام درجة ، والهجرة درجة في الإسلام ، والجهاد في الهجرة درجة ، والقتل في الجهاد درجة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن محيريز في قوله : (دَرَجاتٍ) قال : الدرجات سبعون درجة ، ما بين الدرجتين عدو الفرس الجواد المضمر سبعين سنة. وأخرج نحوه عبد الرزاق في المصنف عن أبي مجلز. وأخرج البخاري ، والبيهقي في الأسماء والصفات عن أبي هريرة أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إنّ في الجنّة مائة درجة أعدّها الله للمجاهدين في سبيل الله ، ما بين الدرجتين كما بين السّماء والأرض ، فإذا سألتم الله فسلوه الفردوس ، فإنّه أوسط الجنّة وأعلى الجنة ، وفوقه عرش الرحمن ، ومنه تفجّر أنهار الجنة».
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً (٩٧) إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (٩٨) فَأُولئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكانَ اللهُ عَفُوًّا غَفُوراً (٩٩) وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ وَكانَ اللهُ غَفُوراً رَحِيماً (١٠٠))
قوله : (تَوَفَّاهُمُ) يحتمل أن يكون فعلا ماضيا وحذفت منه علامة التأنيث ، لأن تأنيث الملائكة غير حقيقي ، ويحتمل أن يكون مستقبلا ، والأصل تتوفاهم ، فحذفت إحدى التاءين. وحكى ابن فورك عن الحسن : أن المعنى : تحشرهم إلى النار ، وقيل : تقبض أرواحهم ، وهو الأظهر. والمراد بالملائكة : ملائكة الموت ، لقوله تعالى : (قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ) (١). وقوله : (ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ) حال ، أي : في حال ظلمهم أنفسهم ، وقول الملائكة : (فِيمَ كُنْتُمْ) سؤال توبيخ ، أي : في أيّ شيء كنتم من أمور دينكم؟ وقيل : المعنى : أكنتم في أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أم كنتم مشركين ؛ وقيل : إن معنى السؤال : التقريع لهم بأنهم لم يكونوا في شيء من الدين. وقولهم : (كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ) يعني مكة ، لأن سبب النزول : من أسلم بها ولم يهاجر ، كما سيأتي ، ثم أوقفتهم الملائكة على دينهم ، وألزمتهم الحجة ، وقطعت معذرتهم ، فقالوا : (أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها) قيل : المراد بهذه الأرض : المدينة ، والأولى : العموم اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، كما هو الحق ، فيراد بالأرض : كل بقعة من بقاع الأرض تصلح للهجرة إليها ، ويراد بالأرض الأولى : كل أرض ينبغي الهجرة منها. قوله : (مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ) هذه الجملة خبر لأولئك ، والجملة خبر إن في قوله : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ) ودخول الفاء لتضمن
__________________
(١). السجدة : ١١.