صُدُورُهُمْ) نصبا على الحال. وقرئ : حصرات وحاصرات ، وقال محمد بن يزيد المبرّد : حصرت صدورهم : هو دعاء عليهم ، كما تقول : لعن الله الكافر ، وضعفه بعض المفسرين ؛ وقيل : أو : بمعنى الواو. وقوله : (أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ) هو متعلق بقوله : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) أي : حصرت صدورهم عن قتالكم والقتال معكم لقومهم ، فضاقت صدورهم عن قتال الطائفتين ، وكرهوا ذلك (وَلَوْ شاءَ اللهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ) ابتلاء منه لكم ، واختبارا ، كما قال سبحانه : (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ) (١). أو تمحيصا لكم ، أو عقوبة بذنوبكم ، ولكنه سبحانه لم يشأ ذلك ، واللام في قوله : (فَلَقاتَلُوكُمْ) جواب لو ، على تكرير الجواب ، أي : لو شاء الله لسلطهم ولقاتلوكم ، والفاء للتعقيب (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) ولم يتعرضوا لقتالكم (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي : استسلموا لكم وانقادوا (فَما جَعَلَ اللهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً) أي : طريقا ، فلا يحلّ لكم قتلهم ، ولا أسرهم ، ولا نهب أموالهم ، فهذا الاستسلام يمنع من ذلك ويحرّمه (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ) فيظهرون لكم الإسلام ، ويظهرون لقومهم الكفر ، ليأمنوا من كلا الطائفتين ، وهم قوم من أهل تهامة ، طلبوا الأمان من رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ليأمنوا عنده وعند قومهم ، وقيل : هي في قوم من أهل مكة ، وقيل : في نعيم بن مسعود فإنه كان يأمن المسلمين والمشركين : وقيل في قوم من المنافقين ؛ وقيل : في أسد وغطفان (كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ) أي : دعاهم قومهم إليها وطلبوا منهم قتال المسلمين (أُرْكِسُوا فِيها) أي : قلبوا فيها ، فرجعوا إلى قومهم ، وقاتلوا المسلمين ، ومعنى الارتكاس : الانتكاس (فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ) يعني : هؤلاء الذين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم (وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) أي : يستسلمون لكم ويدخلون في عهدكم وصلحكم وينسلخون عن قومهم (وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ) عن قتالكم (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ) أي : حيث وجدتموهم وتمكنتم منهم (وَأُولئِكُمْ) الموصوفون بتلك الصفات (جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجة واضحة ، تتسلطون بها عليهم ، وتقهرونهم بها ، بسبب ما في قلوبهم من المرض ، وما في صدورهم من الدغل ، وارتكاسهم في الفتنة بأيسر عمل وأقلّ سعي.
وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما من حديث زيد بن ثابت : أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم خرج إلى أحد ، فرجع ناس خرجوا معه ، فكان أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فيهم فرقتين ، فرقة تقول : نقتلهم ، وفرقة تقول : لا ، فأنزل الله : (فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ) الآية كلها ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «إنها طيبة ، وإنها تنفي الخبث كما تنفي النار خبث الفضة». هذا أصح ما روي في سبب نزول الآية ، وقد رويت أسباب غير ذلك. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس : (وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ) يقول : أوقعهم. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عنه قال : ردهم. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) قال : نزلت في هلال بن عويمر وسراقة بن مالك المدلجي ، وفي خزيمة بن عامر بن عبد مناف. وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والنحاس ، والبيهقي في سننه عنه في قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ) الآية ، قال : نسختها براءة (فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ
__________________
(١). محمد : ٣١.