الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) (١). وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن السدي : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) يقول : ضاقت صدورهم. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الربيع : (وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ) قال : الصلح. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : (فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ) الآية ، قال : نسختها (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) وأخرج ابن جرير عن الحسن وعكرمة في هذه الآية قال : نسختها براءة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (سَتَجِدُونَ آخَرِينَ) الآية ، قال : ناس من أهل مكة كانوا يأتون النبي صلىاللهعليهوسلم فيسلمون رياء ، ثم يرجعون إلى قومهم فيرتكسون في الأوثان ، يبتغون بذلك أن يأمنوا هاهنا وهاهنا ، فأمر بقتالهم إن لم يعتزلوا ويصالحوا. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة : أنهم ناس كانوا بتهامة. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدّي : أنها نزلت في نعيم بن مسعود.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً (٩٢) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَغَضِبَ اللهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً (٩٣))
قوله : (وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ) هذا النفي هو بمعنى النهي المقتضي للتحريم ، كقوله : (وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ) (٢) ولو كان هذا النفي على معناه لكان خبرا ، وهو يستلزم صدقه ، فلا يوجد مؤمن قتل مؤمنا قط ؛ وقيل : المعنى ما كان له ذلك في عهد الله ، وقيل : ما كان له ذلك فيما سلف ، كما ليس له الآن ذلك بوجه ، ثم استثنى منه استثناء منقطعا فقال : إلّا خطأ ، أي : ما كان له أن يقتله ألبتة ، لكن إن قتله خطأ فعليه كذا ، هذا قول سيبويه والزجاج ؛ وقيل : هو استثناء متصل ؛ والمعنى : وما تبت ، ولا وجد ، ولا ساغ لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلّا خطأ ؛ إذ هو مغلوب حينئذ ؛ وقيل المعنى : ولا خطأ. قال النحاس : ولا يعرف ذلك في كلام العرب ، ولا يصح في المعنى ، لأن الخطأ لا يحظر ؛ وقيل : إن المعنى : ما ينبغي أن يقتله لعلة من العلل إلّا للخطأ وحده ، فيكون قوله : خطأ ، منتصبا بأنه مفعول له. ويجوز أن ينتصب على الحال ، والتقدير : لا يقتله في حال من الأحوال إلّا في حال الخطأ ، ويجوز أن يكون صفة لمصدر محذوف ، أي : إلّا قتلا خطأ ، ووجوه الخطأ كثيرة ، ويضبطها عدم القصد ، والخطأ : الاسم من أخطأ خطأ : إذا لم يتعمد. قوله : (فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ) أي : فعليه تحرير رقبة مؤمنة يعتقها كفارة عن قتل الخطأ ، وعبر بالرقبة عن جميع الذات.
__________________
(١). التوبة : ٥.
(٢). الأحزاب : ٥٣.