ركسهم) ومنه قول عبد الله بن رواحة :
أركسوا في فتنة مظلمة |
|
كسواد اللّيل يتلوها فتن |
والباء في قوله : (بِما كَسَبُوا) : سببية ، أي : أركسهم بسبب كسبهم ، وهو لحوقهم بدار الكفر ، والاستفهام في قوله : (أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا مَنْ أَضَلَّ اللهُ) للتقريع والتوبيخ ، وفيه دليل : على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ) (١). قوله : (وَمَنْ يُضْلِلِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً) أي : طريقا إلى الهداية. قوله : (وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً) هذا كلام مستأنف ، يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين ، وإيضاح أنهم يودّون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ، ويتمنوا ذلك عنادا وغلوّا في الكفر ، وتماديا في الضلال ، فالكاف في قوله : (كَما) : نعت مصدر محذوف ، أي : كفرا مثل كفرهم. أو حال ، كما روي عن سيبويه. قوله : (فَتَكُونُونَ سَواءً) عطف على قوله : (تَكْفُرُونَ) داخل في حكمه ، أي : ودّوا كفركم ككفرهم ، وودّوا مساواتكم لهم. قوله : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ) جواب شرط محذوف ، أي : إذا كان حالهم ما ذكر ؛ فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا ؛ ويحققوا إيمانهم بالهجرة ، (فَإِنْ تَوَلَّوْا) عن ذلك (فَخُذُوهُمْ) إذا قدرتم عليهم (وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ) في الحلّ والحرم (وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا) توالونه (وَلا نَصِيراً) تستنصرون به. قوله : (إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ) هو مستثنى من (فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ) أي : إلا الذين يتصلون ويداخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف ؛ فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق ؛ فإن العهد يشملهم ، هذا أصلح ما قيل في الآية. وقيل : الاتصال هنا هو اتصال النسب ، والمعنى : إلا الذين ينتسبون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق. قاله أبو عبيدة ، وقد أنكر ذلك أهل العلم عليه ، لأن النسب لا يمنع من القتال بالإجماع ، فقد كان بين المسلمين وبين المشركين أنساب ولم يمنع ذلك من القتال. وقد اختلف في هؤلاء القوم الذين كان بينهم وبين رسول الله صلىاللهعليهوسلم ميثاق ، فقيل : هم قريش ، كان بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم ميثاق (الَّذِينَ يَصِلُونَ) إلى قريش هم بنو مدلج ؛ وقيل : نزلت في هلال بن عويمر ، وسراقة بن جعشم ، وخزيمة بن عامر بن عبد مناف ، كان بينهم وبين النبي صلىاللهعليهوسلم عهد ؛ وقيل : خزاعة ؛ وقيل : بنو بكر بن زيد. قوله : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) عطف على قوله : (يَصِلُونَ) داخل في حكم الاستثناء ، أي : إلا الذين يصلون والذين جاءوكم ، ويجوز أن يكون عطفا على صفة قوم ، أي : إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق ، والذين يصلون إلى قوم جاءوكم حصرت صدورهم ، أي : ضاقت صدورهم عن القتال فأمسكوا عنه ، والحصر : الضيق والانقباض. قال الفراء : وهو أي : حصرت صدورهم ، حال من المضمر المرفوع في جاءوكم كما تقول : جاء فلان ذهب عقله ، أي : قد ذهب عقله. وقال الزجاج : هو خبر بعد خبر ، أي : جاءوكم ، ثم أخبر فقال : (حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ) فعلى هذا : يكون حصرت : بدلا من جاءوكم ؛ وقيل : حصرت في موضع خفض على النعت لقوم ؛ وقيل : التقدير : أو جاءوكم أو قوم حصرت صدورهم. وقرأ الحسن : (أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَة
__________________
(١). القصص : ٥٦.