وإن كانت في الأصل للشك فقد توسع فيها حتى صارت لمجرّد التساوي من غير شك ، وقيل إنها بمعنى الواو ، قاله الفراء وغيره ، وأنشد :
وقد زعمت ليلى بأنّي فاجر |
|
لنفسي تقاها أو عليها فجورها |
وقال آخر :
نال الخلافة أو كانت له قدرا |
|
كما أتى ربّه موسى على قدر |
والمراد بالصيب : المطر ، واشتقاقه من صاب يصوب : إذا نزل. قال علقمة :
فلا تعدلي بيني وبين مغمّر |
|
سقتك روايا المزن حيث تصوب |
وأصله صيوب ، اجتمعت الياء والواو وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت ، كما فعلوا في ميت وسيد. والسماء في الأصل : كل ما علاك فأظلك. ومنه قيل لسقف البيت سماء. والسماء أيضا : المطر سمي بها لنزوله منها ، وفائدة ذكر نزوله من السماء مع كونه لا يكون إلا منها أنه لا يختص نزوله بجانب منها دون جانب ، وإطلاق السماء على المطر واقع كثير في كلام العرب ، فمنه قول حسان :
ديار من بني الحسحاس قفر |
|
تعفّيها الرّوامس والسّماء |
وقال آخر :
إذا نزل السماء بأرض قوم
..... والظلمات قد تقدّم تفسيرها ، وإنما جمعها إشارة إلى أنه انضمّ إلى ظلمة الليل ظلمة الغيم. والرعد : اسم لصوت الملك الذي يزجر السّحاب.
وقد أخرج الترمذي من حديث ابن عباس قال : «سألت اليهود النبيّ صلىاللهعليهوسلم عن الرعد ما هو؟ قال : ملك من الملائكة بيده مخاريق من نار يسوق بها السحاب حيث شاء الله ، قالوا : فما هذا الصوت الذي نسمع؟ قال : زجره بالسّحاب إذا زجره حتى ينتهي إلى حيث أمر. قالت : صدقت» الحديث بطوله ، وفي إسناده مقال. قال القرطبي : وعلى هذا التفسير أكثر العلماء. وقيل : هو اضطراب أجرام السحاب عند نزول المطر منها ، وإلى هذا ذهب جمع من المفسرين تبعا للفلاسفة وجهلة المتكلمين ، وقيل غير ذلك ، والبرق ؛ مخراق حديد بيد الملك الذي يسوق السحاب ، وإليه ذهب كثير من الصحابة وجمهور علماء الشريعة للحديث السابق. وقال بعض المفسرين تبعا للفلاسفة : إن البرق ما ينقدح من اصطكاك أجرام السحاب المتراكمة من الأبخرة المتصعدة المشتملة على جزء ناري يتلهب عند الاصطكاك.
وقوله : (يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ) جملة مستأنفة لا محل لها كأنّ قائلا قال : فكيف حالهم عند ذلك الرعد؟ فقيل : يجعلون أصابعهم في آذانهم. وإطلاق الأصبع على بعضها مجاز مشهور ، والعلاقة الجزئية والكلية لأن الذي يجعل في الأذن إنما هو رأس الأصبع لا كلها. والصواعق ويقال الصواقع : هي قطعة نار