هما كل معبود من دون الله أو مطاع في معصية الله. وأصل الجبت : الجبس (١) ، وهو الذي لا خير فيه ، فأبدلت التاء من السين قاله قطرب ؛ وقيل : الجبت : إبليس ، والطاغوت : أولياؤه. قوله : (وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً) قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأوّل ، وهم اليهود ، أي : يقول اليهود لكفار قريش : أنتم أهدى من الذين آمنوا بمحمد سبيلا ، أي : أقوم دينا ، وأرشد طريقا. وقوله : (أُولئِكَ) إشارة إلى القائلين (الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ) أي : طردهم وأبعدهم من رحمته (وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً) يدفع عنه ما نزل به من عذاب الله وسخطه. قوله : (أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ) أم : منقطعة ، والاستفهام للإنكار ، يعني : ليس لهم نصيب من الملك (فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً) والفاء : للسببية الجزائية لشرط محذوف ، أي : إن جعل لهم نصيب من الملك فإذن لا يعطون الناس نقيرا منه لشدّة بخلهم وقوّة حسدهم ؛ وقيل : المعنى : بل لهم نصيب من الملك ، على أن معنى أم : الإضراب عن الأوّل والاستئناف للثاني ؛ وقيل : هي عاطفة على محذوف ، والتقدير : أهم أولى بالنبوة ممن أرسلته ، أم لهم نصيب من الملك ، فإذن لا يؤتون الناس نقيرا؟ والنقير : النقرة في ظهر النواة ؛ وقيل : ما نقر الرجل بإصبعه كما ينقر الأرض. والنقير أيضا : خشبة تنقر وينبذ فيها. وقد نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن النقير ، كما ثبت في الصحيحين وغيرهما ، والنقير : الأصل ، يقال : فلان كريم النقير ، أي : كريم الأصل. والمراد هنا : المعنى الأوّل ، والمقصود به المبالغة في الحقارة ، كالقطمير والفتيل. وإذن هنا : ملغاة غير عاملة ، لدخول فاء العطف عليها ، ولو نصب لجاز. قال سيبويه : إذن : في عوامل الأفعال بمنزلة أظن في عوامل الأسماء التي تلغى إذا لم يكن الكلام معتمدا عليها ، فإن كانت في أوّل الكلام وكان الذي بعدها مستقبلا نصبت. قوله : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ) أم : منقطعة مفيدة للانتقال عن توبيخهم بأمر إلى توبيخهم بآخر : أي : بل يحسدون الناس ، يعني : اليهود يحسدون النبي صلىاللهعليهوسلم فقط ، أو يحسدونه هو وأصحابه على ما آتاهم الله من فضله من النبوّة والنصر وقهر الأعداء. قوله : (فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ) هذا إلزام لليهود بما يعترفون به ولا ينكرونه ، أي : ليس ما آتينا محمدا وأصحابه من فضلنا ببدع حتى يحسدهم اليهود على ذلك ، فهم يعلمون بما آتينا آل إبراهيم ، وهم أسلاف محمد صلىاللهعليهوسلم. وقد تقدّم تفسير الكتاب والحكمة. والملك العظيم : قيل : هو ملك سليمان ، واختاره ابن جرير (فَمِنْهُمْ) أي : اليهود (مَنْ آمَنَ بِهِ) أي : بالنبي صلىاللهعليهوسلم (وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ) أي : أعرض عنه ؛ وقيل : الضمير في به : راجع إلى ما ذكر من حديث آل إبراهيم ؛ وقيل : الضمير راجع إلى إبراهيم. والمعنى : فمن آل إبراهيم من آمن بإبراهيم ، ومنهم من صدّ عنه ؛ وقيل : الضمير يرجع إلى الكتاب ، والأوّل أولى (وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً) أي : نارا مسعرة.
وقد أخرج ابن جرير من طريق العوفي عن ابن عباس قال : إن اليهود قالوا : إن آباءنا قد توفوا وهم لنا
__________________
(١). قال في لسان العرب : الجبس : الجبان الفدم ، وقيل : الضعيف اللئيم ، وقيل : الثقيل الذي لا يجيب إلى خير.