وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هؤُلاءِ أَهْدى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً (٥١) أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللهُ وَمَنْ يَلْعَنِ اللهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً (٥٢) أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النَّاسَ نَقِيراً (٥٣) أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً (٥٤) فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَكَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً (٥٥))
قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ) تعجيب من حالهم. وقد اتفق المفسرون على أن المراد : اليهود. واختلفوا في المعنى الذي زكوا به أنفسهم ، فقال الحسن وقتادة : هو قولهم : (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) (١) وقولهم : (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (٢) وقال الضحاك : هو قولهم : لا ذنوب لنا ونحن كالأطفال ؛ وقيل : قولهم : إن آباءهم يشفعون لهم ؛ وقيل : ثناء بعضهم على بعض. ومعنى التزكية : التطهير والتنزيه ، فلا يبعد صدقها على جميع هذه التفاسير وعلى غيرها ، واللفظ يتناول كل من زكى نفسه بحق أو بباطل من اليهود وغيرهم ، ويدخل في هذا التلقب بالألقاب المتضمنة للتزكية : كمحيي الدين ، وعز الدين ، ونحوهما. قوله : (بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ) أي : ذلك إليه سبحانه ، فهو العالم بمن يستحق التزكية من عباده ومن لا يستحقها ، فليدع العباد تزكية أنفسهم ، ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه ، فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة ، تحمل عليها محبة النفس ، وطلب العلوّ ، والترفع والتفاخر ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣). قوله : (وَلا يُظْلَمُونَ) أي : هؤلاء المزكون لأنفسهم (فَتِيلاً) وهو الخيط الذي في نواة التمر ، وقيل : القشرة التي حول النواة ؛ وقيل : هو ما يخرج بين إصبعيك أو كفيك من الوسخ إذا فتلتهما ، فهو فتيل بمعنى مفتول ، والمراد هنا : الكناية عن الشيء الحقير ، ومثله : (وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) وهو النكتة التي في ظهر النواة. والمعنى : أن هؤلاء الذين يزكون أنفسهم يعاقبون على تزكيتهم لأنفسهم بقدر هذا الذنب ، ولا يظلمون بالزيادة على ما يستحقون ، ويجوز أن يعود الضمير إلى (مَنْ يَشاءُ) أي : لا يظلم هؤلاء الذين يزكيهم الله فتيلا مما يستحقونه من الثواب ، ثم عجب النبي صلىاللهعليهوسلم من تزكيتهم لأنفسهم فقال : (انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ) في قولهم ذلك. والافتراء : الاختلاق ، ومنه : افترى فلان على فلان ، أي : رماه بما ليس فيه ، وفريت الشيء : قطعته ، وفي قوله : (وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً) من تعظيم الذنب وتهويله ما لا يخفى. قوله : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) هذا تعجيب من حالهم بعد التعجيب الأوّل وهم اليهود.
واختلف المفسرون في معنى الجبت : فقال ابن عباس وابن جبير وأبو العالية : الجبت : الساحر بلسان الحبشة. والطاغوت : الكاهن. وروي عن عمر بن الخطاب : أن الجبت : السحر ، والطاغوت : الشيطان. وروي عن ابن مسعود : أن الجبت والطاغوت هاهنا : كعب بن الأشرف. وقال قتادة : الجبت : الشيطان ، والطاغوت الكاهن. وروي عن مالك : أن الطاغوت : ما عبد من دون الله ، والجبت : الشيطان ؛ وقيل :
__________________
(١). المائدة : ١٨.
(٢). البقرة : ١١١.
(٣). النجم : ٣٢.