سمعك يا محمد حتى نفهمك ، ثم طعن في الإسلام وعابه ، فأنزل الله فيه : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ) الآية. وأخرج ابن أبي حاتم عنه في قوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) يعني : يحرفون حدود الله في التوراة. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ) قال : تبديل اليهود التوراة (وَيَقُولُونَ سَمِعْنا وَعَصَيْنا) قالوا : سمعنا ما تقول ولا نطيعك (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) قال : غير مقبول ما تقول (لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ) قال : خلافا يلوون به ألسنتهم (وَاسْمَعْ وَانْظُرْنا) قال : أفهمنا لا تعجل علينا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن ابن عباس في قوله : (وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ) قال : يقولون اسمع لا سمعت. وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في الدلائل عن ابن عباس قال : كلم رسول الله صلىاللهعليهوسلم رؤساء من أحبار اليهود ، منهم : عبد الله بن صوريا ، وكعب بن أسد ، فقال لهم : يا معشر اليهود! اتقوا الله وأسلموا ، فو الله إنكم لتعلمون أن الذي جئتكم به لحق. فقالوا : ما نعرف ذلك يا محمد! وأنزل الله فيهم : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ) الآية. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم ، من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) قال : طمسها أن تعمى (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) يقول : نجعل وجوههم من قبل أقفيتهم فيمشون القهقرى ، ونجعل لأحدهم عينين في قفاه. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً) يقول : عن صراط الحق (فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها) قال : في الضلالة. وأخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن الحسن نحوه. وأخرج ابن أبي حاتم ، والطبراني عن أبي أيوب الأنصاري قال : جاء رجل إلى النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : إن لي ابن أخ لا ينتهي عن الحرام ، قال : وما دينه؟ قال : يصلي ويوحد الله ، قال : استوهب منه دينه فإن أبى فابتعه منه ، فطلب الرجل منه ذلك فأبى عليه ، فأتى النبي صلىاللهعليهوسلم فأخبره ، فقال : وجدته شحيحا على دينه ، فنزلت : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية. وأخرج ابن الضريس ، وأبو المنذر ، وابن عديّ بسند صحيح عن ابن عمر قال : كنا نمسك عن الاستغفار لأهل الكبائر حتى سمعنا من نبينا صلىاللهعليهوسلم (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) وقال : «إنّي ادّخرت دعوتي وشفاعتي لأهل الكبائر من أمّتي ، فأمسكنا عن كثير ممّا كان في أنفسنا». وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن عرم قال : لما نزلت (يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ) (١) الآية قام رجل فقال : والشرك يا نبيّ الله؟ فكره ذلك النبي صلىاللهعليهوسلم فقال : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية. وأخرج ابن المنذر عن أبي مجلز أن سؤال هذا الرجل هو سبب نزول : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ). وأخرج أبو داود في ناسخه ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال في هذه الآية : إن الله حرّم المغفرة على من مات وهو كافر ، وأرجأ أهل التوحيد إلى مشيئته ، فلم يؤيسهم من المغفرة. وأخرج الترمذي ، وحسنه عن علي قال : أحبّ آية إليّ في القرآن (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الآية.
(أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ بَلِ اللهُ يُزَكِّي مَنْ يَشاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً (٤٩) انْظُرْ كَيْفَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَكَفى بِهِ إِثْماً مُبِيناً (٥٠) أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ
__________________
(١). الزمر : ٥٣.