نُشُوزَهُنَ) هذا خطاب للأزواج ، قيل : الخوف هنا على بابه ، وهو : حالة تحدث في القلب عند حدوث أمر مكروه ، أو : عند ظنّ حدوثه ؛ وقيل : المراد بالخوف هنا : العلم. والنشوز : العصيان. وقد تقدّم بيان أصل معناه في اللغة. قال ابن فارس : يقال نشزت المرأة : استعصت على بعلها ، ونشز بعلها عليها : إذا ضربها وجفاها. (فَعِظُوهُنَ) أي : ذكروهن بما أوجبه الله عليهن من الطاعة وحسن العشرة ، ورغبوهنّ ، ورهبوهنّ (وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضاجِعِ) يقال : هجره ، أي : تباعد منه. والمضاجع : جمع مضجع ، وهو محل الاضطجاع ، أي : تباعدوا عن مضاجعتهنّ ، ولا تدخلوهنّ تحت ما تجعلونه عليكم حال الاضطجاع من الثياب ؛ وقيل : هو : أن يوليها ظهره عند الاضطجاع ؛ وقيل : هو كناية عن ترك جماعها ؛ وقيل : لا تبيت معه في البيت الذي يضطجع فيه (وَاضْرِبُوهُنَ) أي : ضربا غير مبرح. وظاهر النظم القرآني أنه يجوز للزوج أن يفعل جميع هذه الأمور عند مخافة النشوز ، وقيل : إنه لا يهجرها إلا بعد عدم تأثير الوعظ ، فإن أثر الوعظ لم ينتقل إلى الهجر ، وإن كفاه الهجر لم ينتقل إلى الضرب. (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ) كما يجب وتركن النشوز (فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أي : لا تتعرضوا لهنّ بشيء مما يكرهن لا بقول ولا بفعل ، وقيل : المعنى : لا تكلفوهنّ الحبّ لكم فإنه لا يدخل تحت اختيارهنّ. (إِنَّ اللهَ كانَ عَلِيًّا كَبِيراً) إشارة إلى الأزواج بخفض الجناح ولين الجانب ، أي : وإن كنتم تقدرون عليهنّ فاذكروا قدرة الله عليكم ، فإنها فوق كل قدرة ، والله بالمرصاد لكم.
وقد أخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله : (وَلا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ) يقول : لا يتمنى الرجل ؛ فيقول : ليت أن لي مال فلان وأهله ، فنهى الله سبحانه عن ذلك ، ولكن يسأل الله من فضله. (لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا) يعني : مما ترك الوالدان والأقربون ، للذكر مثل حظ الأنثيين. وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير عن قتادة : أن سبب نزول الآية : أن النساء قلن : لو جعل أنصباؤنا في الميراث كأنصباء الرجال؟ وقال الرجال : إنا لنرجو أن نفضل على النساء بحسناتنا في الآخرة كما فضلنا عليهنّ في الميراث. وقد تقدم ذكر سبب النزول. وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن جرير ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) قال : ليس بعرض الدنيا. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير : (وَسْئَلُوا اللهَ مِنْ فَضْلِهِ) قال : العبادة ليس من أمر الدنيا. وأخرج الترمذي عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «سلوا الله من فضله ، فإنّ الله يحبّ أن يسأل». قال الترمذي : كذا رواه حماد بن واقد ؛ وليس بالحافظ ، ورواه أبو نعيم عن إسرائيل عن حكيم بن جبير عن رجل عن النبي صلىاللهعليهوسلم. وحديث أبي نعيم أشبه أن يكون أصح ، وكذا رواه ابن جرير ، وابن مردويه ، ورواه أيضا ابن مردويه : من حديث ابن عباس. وأخرج البخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والحاكم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) قال : ورثة (وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمانُكُمْ) قال : كان المهاجرون لما قدموا المدينة يرث المهاجري الأنصاري دون ذوي رحمه ، للأخوّة التي آخى النبي صلىاللهعليهوسلم بينهم ، فلما نزلت : (وَلِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ) نسخت ، ثم قال :