بالنسبة إلى ميل من اقترف خطيئة نادرا. قوله : (يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) بما مرّ من الترخيص لكم ، أو بكل ما فيه تخفيف عليكم (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) عاجزا غير قادر على ملك نفسه ودفعها عن شهواتها وفاء بحق التكليف فهو محتاج من هذه الحيثية إلى التخفيف ، فلهذا أراد الله سبحانه التخفيف عنه.
وقد أخرج البخاري وغيره عن ابن عباس قال : حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع ، ثم قرأ : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى قوله : (وَبَناتُ الْأُخْتِ) هذا من النسب ، وباقي الآية من الصهر ، والسابعة : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ). وأخرج ابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن المنذر ، والبيهقي عن عمران بن حصين في قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) قال : هي مبهمة. وأخرج هؤلاء عن ابن عباس قال : هي مبهمة ؛ إذا طلق الرجل امرأته قبل أن يدخل بها أو ماتت لم تحلّ له أمها. وأخرج هؤلاء إلا البيهقي عن علي : في الرجل يتزوج المرأة ثم يطلقها ، أو ماتت قبل أن يدخل بها هل تحل له أمها؟ قال : هي بمنزلة الربيبة. وأخرج هؤلاء عن زيد بن ثابت أنه كان يقول : إذا ماتت عنده فأخذ ميراثها كره أن يخلف على أمها ، وإذا طلقها قبل أن يدخل بها فلا بأس أن يتزوج أمها. وأخرج عبد الرزاق ، وابن شيبة ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد قال : في قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ) أريد بهما الدخول جميعا. وأخرج عبد الرزاق ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم عن عبد الله بن الزبير قال : الربيبة والأم سواء لا بأس بهما إذا لم يدخل بالمرأة. وأخرج عبد الرزاق ، وابن أبي حاتم بسند صحيح عن مالك بن أوس بن الحدثان قال : كانت عندي امرأة فتوفيت ، وقد ولدت لي فوجدت عليها ، فلقيني عليّ بن أبي طالب فقال : مالك؟ فقلت : توفيت المرأة ، فقال عليّ : لها ابنة؟ قلت : نعم وهي بالطائف ، قال : كانت في حجرك؟ قلت لا : قال : فانكحها ، قلت : فأين قول الله : (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ)؟ قال : إنها لم تكن في حجرك.
وقد قدّمنا قول من قال : إنه إسناد ثابت على شرط مسلم. وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن ابن عباس قال : الدخول : الجماع. وأخرج عبد الرزاق في المصنف ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن عطاء قال : كنا نتحدث : أن محمدا صلىاللهعليهوسلم لما نكح امرأة زيد قال المشركون بمكة في ذلك ، فأنزل الله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) ونزلت : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (١) ونزلت : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (٢). وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) قال يعني في النكاح. وأخرج عبد بن حميد عنه في الآية قال : ذلك في الحرائر ، فأما المماليك فلا بأس. وأخرج ابن المنذر عنه نحوه من طريق أخرى. وأخرج مالك ، والشافعي ، وعبد الرزاق ، وابن أبي شيبة ، وعبد بن حميد ، وابن أبي حاتم ، والبيهقي في سننه عن عثمان بن عفان : أن رجلا سأله عن الأختين في ملك اليمين هل يجمع بينهما؟ قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، وما كنت لأصنع ذلك ، فخرج من عنده ، فلقي رجلا من أصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم أراه علي بن أبي طالب ، فسأله عن ذلك ، فقال :
__________________
(١). الأحزاب : ٤.
(٢). الأحزاب : ٤٠.