الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ) (١) ولم يذكر الله سبحانه في هذا الآية العبيد ، وهم لاحقون بالإماء بطريق القياس ، وكما يكون على الإماء والعبيد الحدّ في الزنا ، كذلك يكون عليهم نصف الحدّ في القذف والشرب ، والإشارة بقوله : (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ) إلى نكاح الإماء. والعنت : الوقوع في الإثم ، وأصله في اللغة : انكسار العظم بعد الجبر ، ثم استعير لكل مشقة (وَأَنْ تَصْبِرُوا) عن نكاح الإماء (خَيْرٌ لَكُمْ) من نكاحهنّ ، أي : صبركم خير لكم ، لأن نكاحهنّ يفضي إلى إرقاق الولد والغض من النفس. قوله : (يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ) اللام هنا هي لام كي التي تعاقب «أن». قال الفراء : العرب تعاقب بين لام كي وأن ، فتأتي باللام التي على معنى كي في موضع أن في أردت وأمرت ، فيقولون : أردت أن تفعل وأردت لتفعل ، ومنه : (يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُا نُورَ اللهِ بِأَفْواهِهِمْ) (٢) (وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ) (٣) (وَأُمِرْنا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعالَمِينَ) (٤) ومنه :
أريد لأنسى ذكرها فكأنّما |
|
تمثّل لي ليلى بكلّ سبيل |
وحكى الزجّاج هذا القول وقال : لو كانت اللام بمعنى أن لدخلت عليها لأم أخرى كما تقول : جئت كي تكرمني ، ثم تقول : جئت لكي تكرمني ، وأنشد :
أردت لكيما يعلم النّاس أنّها |
|
سراويل قيس والوفود شهود |
وقيل : اللام زائدة لتأكيد معنى الاستقبال ، أو لتأكيد إرادة التبيين ، ومفعول يبين : محذوف ، أي : ليبين لكم ما خفي عليكم من الخير ؛ وقيل : مفعول يريد : محذوف ، أي : يريد الله هذا ليبين لكم ، وبه قال البصريون وهو مرويّ عن سيبويه ؛ وقيل : اللام بنفسها ناصبة للفعل من غير إضمار أن ، وهي وما بعدها مفعول للفعل المتقدّم ، وهو مثل قول الفراء السابق ، وقال بعض البصريين : إن قوله : (يُرِيدُ) مؤول بالمصدر ، مرفوع بالابتداء ، مثل : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه. ومعنى الآية : يريد الله ليبين لكم مصالح دينكم ، وما يحلّ لكم ، وما يحرم عليكم (وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) أي : طرقهم ، وهم الأنبياء وأتباعهم ، لتقتدوا بهم (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) أي : ويريد أن يتوب عليكم ، فتوبوا إليه ، وتلاقوا ما فرط منكم بالتوبة ، يغفر لكم ذنوبكم (وَاللهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ) هذا تأكيد لما قد فهم من قوله : (وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ) المتقدّم ؛ وقيل : الأوّل : معناه للإرشاد إلى الطاعات. والثاني : فعل أسبابها ؛ وقيل : إن الثاني لبيان كمال منفعة إرادته سبحانه ، وكمال ضرر ما يريده الذين يتبعون الشهوات ، وليس المراد به مجرد إرادة التوبة حتى يكون من باب التكرير للتأكيد. قيل : هذه الإرادة منه سبحانه في جميع أحكام الشرع ؛ وقيل : في نكاح الأمة فقط.
واختلف في تعيين المتبعين للشهوات ، فقيل : هم الزناة ، وقيل : اليهود والنصارى ، وقيل : اليهود خاصة ، وقيل : هم المجوس لأنهم أرادوا أن يتبعهم المسلمون في نكاح الأخوات من الأب. والأوّل أولى. والميل : العدول عن طريق الاستواء. والمراد بالشهوات هنا ما حرّمه الشرع دون ما أحله ، ووصف الميل بالعظم
__________________
(١). الأحزاب : ٣٠.
(٢). الصف : ٨.
(٣). الشورى : ١٥.
(٤). الأنعام : ٧١.