بالشراء. وحكى ابن جرير الطبري : أن رجلا قال لسعيد بن جبير : أما رأيت ابن عباس حين سئل عن هذه الآية فلم يقل فيها شيئا؟ فقال : كان ابن عباس لا يعلمها. وروى ابن جرير أيضا عن مجاهد أنه قال : لو أعلم من يفسر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل. انتهى. ومعنى الآية والله أعلم واضح لا سترة به ، أي : وحرّمت عليكم المحصنات من النساء ، أي : المزوجات ، أعمّ من أن يكنّ مسلمات أو كافرات ، إلا ما ملكت أيمانكم منهنّ ، إما بسبي : فإنها تحلّ ولو كانت ذات زوج ، أو بشراء : فإنها تحلّ ولو كانت مزوّجة ، وينفسخ النكاح الذي كان عليها بخروجها عن ملك سيدها الذي زوّجها ، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية إن شاء الله ، والاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وقد قرئ : «المحصنات» بفتح الصاد وكسرها ، فالفتح : على أن الأزواج أحصنوهنّ ؛ والكسر : على أنهنّ أحصنّ فروجهن عن غير أزواجهنّ ، أو أحصنّ أزواجهنّ. قوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) منصوب على المصدرية ، أي : كتب الله ذلك عليكم كتابا. وقال الزجاج والكوفيون : إنه منصوب على الإغراء ، أي : الزموا كتاب الله ، أو عليكم كتاب الله ، واعترضه أبو عليّ الفارسي : بأن الإغراء لا يجوز فيه تقديم المنصوب ، وهذا الاعتراض إنما يتوجه على قول من قال : إنه منصوب بعليكم المذكور في الآية ، وروي عن عبيدة السلماني أنه قال : إن قوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) إشارة إلى قوله تعالى : (مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) وهو بعيد ، بل هو إشارة إلى التحريم المذكور في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) إلى آخر الآية. قوله : (وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ) قرأ حمزة ، والكسائي ، وعاصم في رواية حفص : وأحلّ ، على البناء للمجهول ، وقرأ الباقون : على البناء للمعلوم ، عطفا على الفعل المقدّر في قوله : (كِتابَ اللهِ عَلَيْكُمْ) وقيل : على قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ) ولا يقدح في ذلك اختلاف الفعلين ، وفيه دلالة : على أنه يحل لهم نكاح ما سوى المذكورات ، وهذا عام مخصوص بما صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم من تحريم الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها. وقد أبعد من قال : إن تحريم الجمع بين المذكورات مأخوذ من الآية هذه ، لأنه حرّم الجمع بين الأختين ، فيكون ما في معناه في حكمه ، وهو الجمع بين المرأة وعمتها ، وبين المرأة وخالتها ، وكذلك تحريم نكاح الأمة لمن يستطيع نكاح حرّة كما سيأتي ، فإنه يخصص هذا العموم. قوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) في محل نصب على العلة ؛ أي : حرّم عليكم ما حرّم ، وأحلّ لكم ما أحلّ لأجل أن تبتغوا بأموالكم النساء اللاتي أحلهنّ الله لكم ، ولا تبتغوا بها الحرام ، فتذهب حال كونكم (مُحْصِنِينَ) أي : متعففين عن الزنا (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أي : غير زانين. والسفاح : الزنا ، وهو مأخوذ من : سفح الماء : أي : صبه وسيلانه ، فكأنه سبحانه أمرهم بأن يطلبوا بأموالهم النساء على وجه النكاح ، لا على وجه السفاح ؛ وقيل : إن قوله : (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) بدل من «ما» في قوله : (ما وَراءَ ذلِكُمْ) أي : وأحلّ لكم الابتغاء بأموالكم. والأوّل أولى ، وأراد سبحانه بالأموال المذكورة : ما يدفعونه في مهور الحرائر وأثمان الإماء. قوله : (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) «ما» موصولة فيها معنى الشرط ، والفاء في قوله : (فَآتُوهُنَ) لتضمن الموصول معنى الشرط ، والعائد محذوف ، أي : فآتوهنّ أجورهنّ عليه.
__________________
(١). النساء : ٣.