وقد اختلف أهل العلم في معنى الآية : فقال الحسن ومجاهد وغيرهما : المعنى : فما انتفعتم وتلذذتم بالجماع من النساء بالنكاح الشرعي (فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَ) أي : مهورهنّ. وقال الجمهور : إن المراد بهذه الآية : نكاح المتعة الذي كان في صدر الإسلام ، ويؤيد ذلك قراءة أبيّ بن كعب ، وابن عباس ، وسعيد بن جبير : فما استمتعتم به منهنّ إلى أجل مسمّى فآتوهنّ أجورهنّ ثم نهى عنها النبي صلىاللهعليهوسلم ، كما صح ذلك من حديث عليّ قال : نهى النبي صلىاللهعليهوسلم عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية يوم خيبر ، وهو في الصحيحين وغيرهما. وفي صحيح مسلم من حديث سبرة بن معبد الجهني عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال يوم فتح مكة : «يا أيّها النّاس إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء ، والله قد حرّم ذلك إلى يوم القيامة ، فمن كان عنده منهنّ شيء فليخلّ سبيلها ، ولا تأخذوا مما آتيتموهنّ شيئا». وفي لفظ لمسلم : أن ذلك كان في حجة الوداع ، فهذا هو الناسخ. وقال سعيد بن جبير : نسخها آيات الميراث ، إذ المتعة لا ميراث فيها. وقالت عائشة ، والقاسم بن محمد : تحريمها ونسخها في القرآن ، وذلك قوله تعالى : (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ ـ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) (١) وليست المنكوحة بالمتعة من أزواجهم ، ولا مما ملكت أيمانهم ، فإن من شأن الزوجة أن ترث وتورث ، وليست المستمتع بها كذلك. وقد روي عن ابن عباس أنه قال : بجواز المتعة وأنها باقية لم تنسخ. وروي عنه : أنه رجع عن ذلك عند أن بلغه الناسخ. وقد قال بجوازها جماعة من الروافض ، ولا اعتبار بأقوالهم. وقد أتعب نفسه بعض المتأخرين بتكثير الكلام على هذه المسألة ، وتقوية ما قاله المجوّزون لها ، وليس هذا المقام مقام بيان بطلان كلامه.
وقد طوّلنا البحث ؛ ودفعنا الشبه الباطلة التي تمسك بها المجوّزون لها ؛ في شرحنا للمنتقى فليرجع إليه. قوله : (فَرِيضَةً) منتصب على المصدرية المؤكدة أو على الحال ، أي : مفروضة. قوله : (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ) أي : من زيادة أو نقصان في المهر ، فإن ذلك سائغ عند التراضي ، هذا عند من قال : بأن الآية في النكاح الشرعي ؛ وأما عند الجمهور القائلين : بأنها في المتعة ، فالمعنى : التراضي في زيادة المتعة أو نقصانها ، أو في زيادة ما دفعه إليها إلى مقابل الاستمتاع بها أو نقصانه. قوله : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ) الطول : الغنى والسعة ، قاله ابن عباس ، ومجاهد ، وسعيد بن جبير ، والسدّي ، وابن زيد ، ومالك ، والشافعي ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور ، وجمهور أهل العلم. ومعنى الآية : فمن لم يستطع منكم غنى وسعة في ماله يقدر بها على نكاح المحصنات المؤمنات فلينكح من فتياتكم المؤمنات ، يقال : طال ، يطول ، طولا : في الإفضال والقدرة ، وفلان ذو طول : أي : ذو قدرة في ماله. والطول بالضم : ضدّ القصر. وقال قتادة ، والنخعي ، وعطاء ، والثوري : إن الطول : الصبر. ومعنى الآية عندهم : أن من كان يهوى أمة حتى صار لذلك لا يستطيع أن يتزوج غيرها ، فإن له أن يتزوجها ؛ إذا لم يملك نفسه ؛ وخاف أن يبغي بها ، وإن كان يجد سعة في المال لنكاح حرة. وقال أبو حنيفة وهو مرويّ عن مالك : إن الطول المرأة الحرّة ، فمن كان تحته حرة لم يحل له أن ينكح الأمة ، ومن لم يكن تحته حرة جاز له أن يتزوج أمة ولو كان غنيا ، وبه قال أبو يوسف ، واختاره ابن جرير واحتج له. والقول الأوّل هو المطابق
__________________
(١). المعارج : ٢٩.