عدّة المطلقة. واختلفوا إذا طلقها طلاقا لا يملك رجعتها ؛ فقالت طائفة : ليس له أن ينكح أختها ولا رابعة حتى تنقضي عدّة التي طلق. روي ذلك عن عليّ ، وزيد بن ثابت ، ومجاهد ، وعطاء ، والنخعي ، والثوري ، وأحمد بن حنبل ، وأصحاب الرأي. وقالت طائفة : له أن ينكح أختها ؛ وينكح الرابعة ؛ لمن كان تحته أربع وطلق واحدة منهنّ طلاقا بائنا. روي ذلك عن سعيد بن المسيب ، والحسن ، والقاسم ، وعروة بن الزبير ، وابن أبي ليلى ، والشافعي ، وأبي ثور ، وأبي عبيد. قال ابن المنذر : ولا أحسبه إلا قول مالك. وهو أيضا إحدى الروايتين عن زيد بن ثابت وعطاء. قوله : (إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) يحتمل أن يكون معناه معنى ما تقدّم من قوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) ويحتمل معنى آخر ، وهو جواز ما سلف ، وأنه إذا جرى الجمع في الجاهلية كان النكاح صحيحا ، وإذا جرى في الإسلام خير بين الأختين. والصواب الاحتمال الأوّل. قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ) (١) عطف على المحرّمات المذكورات. وأصل التحصن : التمنع ، ومنه قوله تعالى : (لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ) أي : لتمنعكم ، ومنه : الحصان ، بكسر الحاء للفرس ، لأنه يمنع صاحبه من الهلاك. والحصان بفتح الحاء : المرأة العفيفة لمنعها نفسها ، ومنه قول حسان :
حصان رزان ما تزنّ بريبة |
|
وتصبح غرثى من لحوم الغوافل (٢) |
والمصدر : الحصانة بفتح الحاء. والمراد بالمحصنات هنا : ذوات الأزواج. وقد ورد الإحصان في القرآن لمعان ، هذا أحدها. والثاني : يراد به الحرّة ، ومنه قوله تعالى : (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ) (٣) وقوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (٤). والثالث : يراد به العفيفة ، ومنه قوله تعالى : (مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ) (٥) ، (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) (٦). والرابع : المسلمة ، ومنه قوله تعالى : (فَإِذا أُحْصِنَ) (٧).
وقد اختلف أهل العلم في تفسير هذه الآية ، أعني قوله : (وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فقال ابن عباس ، وأبو سعيد الخدري ، وأبو قلابة ، ومكحول ، والزهري : المراد بالمحصنات هنا : المسبيات ذوات الأزواج خاصة ، أي : هنّ محرّمات عليكم إلا ما ملكت أيمانكم بالسبي من أرض الحرب ، فإن تلك حلال وإن كان لها زوج ، وهو قول الشافعي ، أي : أن السباء يقطع العصمة ، وبه قال ابن وهب ، وابن عبد الحكم ، وروياه عن مالك ، وبه قال أبو حنيفة ، وأصحابه ، وأحمد ، وإسحاق ، وأبو ثور. واختلفوا في استبرائها بما ذا يكون؟ كما هو مدوّن في كتب الفروع. وقالت طائفة : المحصنات في هذه الآية : العفائف ، وبه قال أبو العالية ، وعبيدة السلماني ، وطاوس ، وسعيد بن جبير ، وعطاء ، ورواه عبيدة عن عمر. ومعنى الآية عندهم : كل النساء حرام إلا ما ملكت أيمانكم ، أي : تملكون عصمتهنّ بالنكاح ، وتملكون الرقبة
__________________
(١). الأنبياء : ٨٠.
(٢). تزن : تتّهم. وغرثى : جائعة. والمراد أنها لا تغتاب غيرها.
(٣). النساء : ٢٥.
(٤). المائدة : ٥.
(٥). النساء : ٢٥.