إلى ذلك أحد من فقهاء الأمصار بالحجاز ، ولا بالعراق ، ولا ما وراءها من المشرق ، ولا بالشام ، ولا المغرب ، إلا من شذّ عن جماعتهم باتباع الظاهر ، ونفي القياس. وقد ترك من تعمد ذلك. وجماعة الفقهاء متفقون : على أنه لا يحلّ الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ، كما لا يحلّ ذلك في النكاح. وقد أجمع المسلمون على أن معنى قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ) إلى آخر الآية ، أن النكاح بملك اليمين في هؤلاء كلهنّ سواء ، فكذلك يجب أن يكون قياسا ونظرا الجمع بين الأختين ، وأمهات النساء ، والربائب ، وكذا هو عند جمهورهم ، وهي الحجة المحجوج بها من خالفها وشذ عنها ، والله المحمود. انتهى.
وأقول : هاهنا إشكال ، وهو : أنه قد تقرّر أن النكاح يقال على العقد فقط ، وعلى الوطء فقط ، والخلاف في كون أحدهما حقيقة والآخر مجازا ، أو كونهما حقيقتين معروف ، فإن حملنا هذا التحريم المذكور في هذه الآية وهي قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ) إلى آخرها ، على أن المراد تحريم العقد عليهنّ لم يكن في قوله تعالى : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) دلالة على تحريم الجمع بين المملوكتين في الوطء بالملك ، وما وقع من إجماع المسلمين على أن قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ) إلى آخره ، يستوي فيه الحرائر والإماء ، والعقد والملك لا يستلزم أن يكون محل الخلاف ، وهو الجمع بين الأختين في الوطء بملك اليمين مثل محل الإجماع ، ومجرد القياس في مثل هذا الموطن لا تقوم به الحجة لما يرد عليه من النقوض ، وإن حملنا التحريم المذكور في الآية على الوطء فقط ؛ لم يصح ذلك للإجماع على تحريم عقد النكاح على جميع المذكورات من أوّل الآية إلى آخرها ، فلم يبق إلا حمل التحريم في الآية على تحريم عقد النكاح ، فيحتاج القائل بتحريم الجمع بين الأختين في الوطء بالملك إلى دليل ولا ينفعه أن ذلك قول الجمهور ، فالحق لا يعرف بالرجال ، فإن جاء به خالصا عن شوب الكدر فبها ونعمت ، وإلا كان الأصل الحل ، ولا يصح حمل النكاح في الآية على معنييه جميعا أعني العقد والوطء ، لأنه من باب الجمع بين الحقيقة والمجاز وهو ممنوع ، أو من باب الجمع بين معنيي المشترك ، وفيه الخلاف المعروف في الأصول ، فتدبر هذا.
وقد اختلف أهل العلم إذا كان الرجل يطأ مملوكته بالملك ثم أراد أن يطأ أختها بالملك ، فقال عليّ وابن عمر والحسن البصري والأوزاعي والشافعي وأحمد وإسحاق : لا يجوز له وطء الثانية حتى يحرّم فرج الأخرى بإخراجها من ملكه ببيع أو عتق ، أو بأن يزوّجها. قال ابن المنذر : وفيه قول ثان لقتادة : وهو أن ينوي تحريم الأولى على نفسه وأن لا يقربها ، ثم يمسك عنهما حتى تستبرئ المحرمة ثم يغشى الثانية. وفيه قول ثالث : وهو أنه لا يقرب واحدة منهما ، هكذا قال الحكم وحماد. وروي معنى ذلك عن النخعي. وقال مالك : إذا كان عنده أختان بملك فله أن يطأ أيتهما شاء ، والكفّ عن الأخرى موكول إلى أمانته ، فإن أراد وطء الأخرى ؛ فيلزمه أن يحرّم على نفسه فرج الأولى بفعل يفعله ، من إخراج عن الملك ، أو تزويج ، أو بيع ، أو عتق ، أو كتابة ، أو إخدام طويل ، فإن كان يطأ إحداهما ثم وثب على الأخرى دون أن يحرّم الأولى ؛ وقف عنهما ، ولم يجز له قرب إحداهما ؛ حتى يحرّم الأخرى ، ولم يوكل ذلك إلى أمانته ، لأنه متهم. قال القرطبي : وقد أجمع العلماء : على أن الرجل إذا طلق زوجته طلاقا يملك رجعتها أنه ليس له أن ينكح أختها حتى تنقضي