الأولاد وإن سفلوا بمنزلة أولاد الصلب في تحريم نكاح نسائهم على آبائهم.
وقد اختلف أهل العلم في وطء الزنا : هل يقتضي التحريم أو لا؟ فقال أكثر أهل العلم : إذا أصاب رجل امرأة بزنا لم يحرم عليه نكاحها بذلك ، وكذلك لا تحرم عليه امرأته إذا زنا بأمها أو بابنتها ، وحسبه أن يقام عليه الحدّ ، وكذلك يجوز له عندهم أن يتزوّج بأم من زنى بها وبابنتها. وقالت طائفة من أهل العلم : إن الزنا يقتضي التحريم. حكي ذلك عن عمران بن حصين ، والشعبي ، وعطاء ، والحسن ، وسفيان الثوري ، وأحمد ، وإسحاق ، وأصحاب الرأي ، وحكي ذلك عن مالك ، والصحيح عنه : كقول الجمهور. احتج الجمهور بقوله تعالى : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) وبقوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) والموطوءة بالزنا لا يصدق عليها أنها من نسائهم ، ولا من حلائل أبنائهم.
وقد أخرج الدارقطني عن عائشة قالت : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن رجل زنى بامرأة فأراد أن يتزوّجها أو ابنتها ، فقال : «لا يحرّم الحرام الحلال». واحتج المحرّمون : بما روي في قصة جريج الثابتة في الصحيح أنه قال : يا غلام من أبوك؟ فقال : فلان الراعي ، فنسب الابن نفسه إلى أبيه من الزنا ، وهذا احتجاج ساقط ، واحتجوا أيضا بقوله صلىاللهعليهوسلم : «لا ينظر الله إلى رجل نظر إلى فرج امرأة وابنتها» ولم يفصل بين الحلال والحرام. ويجاب عنه بأن هذا مطلق ؛ مقيد بما ورد من الأدلة الدالة : على أن الحرام لا يحرّم الحلال.
واختلفوا في اللواط هل يقتضي التحريم أم لا؟ فقال الثوري : إذا لاط بالصبيّ حرمت عليه أمه ، وهو قول أحمد بن حنبل قال : إذا تلوّط بابن امرأته أو أبيها أو أخيها حرمت عليه امرأته. وقال الأوزاعي : إذا لاط بغلام وولد للمفجور به بنت ؛ لم يجز للفاجر أن يتزوجها ؛ لأنها بنت من قد دخل به. ولا يخفى ما في قول هؤلاء من الضعف والسقوط النازل عن قول القائلين : بأن وطء الحرام يقتضي التحريم بدرجات ، لعدم صلاحية ما تمسك به أولئك من الشبه ، على ما زعمه هؤلاء من اقتضاء اللواط للتحريم. قوله : (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ) أي : وحرّم عليكم أن تجمعوا بين الأختين ، فهو في محل رفع عطفا على المحرمات السابقة ، وهو يشمل الجمع بينهما بالنكاح والوطء بملك اليمين. وقيل : إن الآية خاصة بالجمع في النكاح ، لا في ملك اليمين ، وأما في الوطء بالملك فلا حق بالنكاح ، وقد أجمعت الأمة على منع جمعهما في عقد نكاح.
واختلفوا في الأختين بملك اليمين : فذهب كافة العلماء : إلى أنه لا يجوز الجمع بينهما في الوطء بالملك ، وأجمعوا على أنه يجوز الجمع بينهما في الملك فقط. وقد توقف بعض السلف في الجمع بين الأختين في الوطء بالملك ، وسيأتي بيان ذلك. واختلفوا في جواز عقد النكاح على أخت الجارية التي توطأ بالملك : فقال الأوزاعي : إذا وطئ جارية له بملك اليمين لم يجز له أن يتزوّج أختها. وقال الشافعي : ملك اليمين لا يمنع نكاح الأخت. وقد ذهبت الظاهرية : إلى جواز الجمع بين الأختين بملك اليمين في الوطء ، كما يجوز الجمع بينهما في الملك. قال ابن عبد البرّ بعد أن ذكر ما روي عن عثمان بن عفان من جواز الجمع بين الأختين في الوطء بالملك : وقد روي مثل قول عثمان عن طائفة من السلف منهم ابن عباس ، ولكنهم اختلف عليهم ، ولم يلتفت