جرير الطبري : وفي إجماع الجميع : أن خلوة الرجل بامرأته لا تحرّم ابنتها عليه إذا طلقها قبل مسيسها ومباشرتها ، أو قبل النظر إلى فرجها ؛ لشهوة : ما يدل على أن معنى ذلك هو الوصول إليها بالجماع. انتهى. وهكذا حكى الإجماع القرطبي فقال : وأجمع العلماء على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل أن يدخل بها حلّ له نكاح ابنتها. واختلفوا في النظر ، فقال مالك : إذا نظر إلى شعرها أو صدرها أو شيء من محاسنها للذة حرمت عليه أمها وابنتها. وقال الكوفيون : إذا نظر إلى فرجها للشهوة كان بمنزلة اللمس للشهوة ، وكذا قال الثوري ولم يذكر الشهوة. وقال ابن أبي ليلى : لا تحرم بالنظر حتى يلمس ، وهو قول الشافعي. والذي ينبغي التعويل عليه في مثل هذا الخلاف : هو النظر في معنى : الدخول ، شرعا أو لغة ، فإن كان خاصا بالجماع ؛ فلا وجه لإلحاق غيره به من لمس أو نظر أو غيرهما ، وإن كان معناه أوسع من الجماع ؛ بحيث يصدق على ما حصل فيه نوع استمتاع ؛ كان مناط التحريم هو ذلك. وأما الربيبة في ملك اليمين : فقد روي عن عمر بن الخطاب : أنه كره ذلك. وقال ابن عباس : أحلتهما آية ، وحرمتهما آية ، ولم أكن لأفعله. وقال ابن عبد البر : لا خلاف بين العلماء أنه لا يحل لأحد أن يطأ امرأة وابنتها من ملك اليمين ، لأن الله حرّم ذلك في النكاح قال : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ) وملك اليمين عندهم تبع للنكاح إلا ما روي عن عمر وابن عباس ، وليس على ذلك أحد من أئمة الفتوى ولا من تبعهم. انتهى. قوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ) الحلائل : جمع حليلة وهي الزوجة ؛ سميت بذلك : لأنها تحلّ مع الزوج حيث حلّ ، فهي : فعيلة بمعنى فاعلة. وذهب الزجاج وقوم : إلى أنها من لفظة الحلال ، فهي حليلة بمعنى محللة. وقيل : لأن كل واحد منهما يحلّ إزار صاحبه. وقد أجمع العلماء على تحريم ما عقد عليه الآباء على الأبناء ، وما عقد عليه الأبناء على الآباء ، سواء كان مع العقد وطء أو لم يكن ، لقوله تعالى : (وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ) وقوله : (وَحَلائِلُ أَبْنائِكُمُ).
واختلف الفقهاء في العقد إذا كان فاسدا : هل يقتضي التحريم أم لا؟ كما هو مبين في كتب الفروع. قال ابن المنذر : أجمع كل من يحفظ عنه العلم من علماء الأمصار : أن الرجل إذا وطئ امرأة بنكاح فاسد أنها تحرم على أبيه وابنه وعلى أجداده. وأجمع العلماء : على أن عقد الشراء على الجارية لا يحرّمها على أبيه وابنه ، فإذا اشترى جارية فلمس ، أو قبل ، حرمت على أبيه وابنه ، لا أعلمهم يختلفون فيه ، فوجب تحريم ذلك تسليما لهم. ولما اختلفوا في تحريمها بالنظر دون اللمس لم يجز ذلك لاختلافهم قال : ولا يصح عن أحد من أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم خلاف ما قلناه. قوله : (الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وصف للأبناء ، أي : دون من تبنيتم من أولاد غيركم كما كانوا يفعلونه في الجاهلية ، ومنه قوله تعالى : (فَلَمَّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً) (١) ومنه قوله تعالى : (وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ) (٢) ومنه : (ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ) (٣) وأما زوجة الابن من الرضاع ، فقد ذهب الجمهور : إلى أنها تحرم على أبيه ، وقد قيل : إنه إجماع ، مع أن الابن من الرضاع ليس من أولاد الصلب. ووجهه ما صح عن النبي صلىاللهعليهوسلم من قوله : «يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب» ولا خلاف أن أولاد
__________________
(١). الأحزاب : ٣٧.
(٢). الأحزاب : ٤.
(٣). الأحزاب : ٤٠.