كثير في تفسيره مستدلا للجمهور : وقد روي في ذلك خبر غير أن في إسناده نظرا ، فذكر هذا الحديث ثم قال : وهذا الخبر وإن كان في إسناده ما فيه ، فإن إجماع الحجة على صحة القول به يغني عن الاستشهاد على صحته بغيره ، قال في الكشاف : وقد اتفقوا على أن تحريم أمهات النساء مبهم دون تحريم الربائب على ما عليه ظاهر كلام الله تعالى. انتهى. ودعوى الإجماع مدفوعة بخلاف من تقدم. واعلم : أنه يدخل في لفظ الأمهات : أمهاتهنّ ، وجداتهنّ ، وأمّ الأب ، وجدّاته ، وإن علون ، لأن كلهن أمهات لمن ولده من ولدته وإن سفل. ويدخل في لفظ البنات : بنات الأولاد وإن سفلن ، والأخوات ؛ تصدق على الأخت لأبوين ، أو لأحدهما ، والعمة : اسم لكل أنثى شاركت أباك أو جدّك في أصليه أو أحدهما. وقد تكون العمة من جهة الأم وهي أخت أب الأمّ. والخالة : اسم لكل أنثى شاركت أمك في أصليها أو في أحدهما ، وقد تكون الخالة من جهة الأب وهي أخت أم أبيك ، وبنت الأخ : اسم لكل أنثى لأخيك عليها ولادة بواسطة ومباشرة وإن بعدت ، وكذلك بنت الأخت. قوله : (وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ) هذا مطلق مقيد بما ورد في السنة : من كون الرضاع في الحولين إلا في مثل قصة إرضاع سالم مولى أبي حذيفة ، وظاهر النظم القرآني : أنه يثبت حكم الرضاع بما يصدق عليه مسمى الرضاع لغة وشرعا ، ولكنه قد ورد تقييده بخمس رضعات في أحاديث صحيحة ، والبحث عن تقرير ذلك وتحقيقه يطول ، وقد استوفيناه في مصنفاتنا ، وقررنا ما هو الحق في كثير من مباحث الرضاع. قوله : (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) الأخت من الرضاع : هي التي أرضعتها أمك بلبان أبيك سواء أرضعتها معك أو مع من قبلك أو بعدك من الإخوة والأخوات ، والأخت من الأم : هي التي أرضعتها أمك بلبان رجل آخر. قوله : (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) قد تقدم الكلام على اعتبار الدخول وعدمه. والمحرمات بالمصاهرة أربع : أمّ المرأة ، وابنتها ، وزوجة الأب ، وزوجة الابن. قوله : (وَرَبائِبُكُمُ) الربيبة : بنت امرأة الرجل من غيره ؛ سميت بذلك لأنه يربيها في حجره ، فهي مربوبة ، فعيلة : بمعنى مفعولة. قال القرطبي : واتفق الفقهاء على أن الربيبة تحرم على زوج أمها إذا دخل بالأم ، وإن لم تكن الربيبة في حجره ، وشذ بعض المتقدمين وأهل الظاهر ، فقالوا : لا تحرم الربيبة إلا أن تكون في حجر المتزوج ، فلو كانت في بلد آخر وفارق الأم فله أن يتزوج بها ، وقد روي ذلك عن عليّ. قال ابن المنذر ، والطحاوي : لم يثبت ذلك عن عليّ ، لأن راويه إبراهيم بن عبيد عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عليّ ، وإبراهيم هذا لا يعرف. وقال ابن كثير في تفسيره بعد إخراج هذا عن علي : وهذا إسناد قوي ثابت إلى علي بن أبي طالب على شرط مسلم. والحجور : جمع حجر : والمراد : أنهنّ في حضانة أمهاتهنّ تحت حماية أزواجهن كما هو الغالب ـ وقيل : المراد بالحجور : البيوت ، أي : في بيوتكم ، حكاه الأثرم عن أبي عبيدة. قوله : (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ) أي : في نكاح الربائب ، وهو تصريح بما دلّ عليه مفهوم ما قبله.
وقد اختلف أهل العلم في معنى الدخول الموجب لتحريم الربائب : فروي عن ابن عباس أنه قال : الدخول : الجماع ، وهو قول طاوس ، وعمرو بن دينار ، وغيرهما. وقال مالك ، والثوري ، وأبو حنيفة ، والأوزاعي ، والليث ، والزيدية : إن الزوج إذا لمس الأمّ لشهوة حرّمت عليه ابنتها ، وهو أحد قولي الشافعي. قال ابن