ذكر التغليظ عليهنّ فيما يأتين به من الفاحشة ، لئلا يتوهمن أنه يسوغ لهنّ ترك التعفف (وَاللَّاتِي) جمع التي بحسب المعنى دون اللفظ ، وفيه لغات : اللاتي بإثبات التاء والياء ، واللات بحذف الياء وإبقاء الكسرة لتدل عليها ، واللائي بالهمزة والياء ، واللاء بكسر الهمزة وحذف الياء ، ويقال في جمع الجمع : اللواتي ، واللوائي ، واللوات ، واللواء. والفاحشة : الفعلة القبيحة ، وهي مصدر ، كالعافية ، والعاقبة ، وقرأ ابن مسعود : (بالفاحشة). والمراد بها هنا : الزنا خاصة ، وإتيانها : فعلها ، ومباشرتها. والمراد بقوله : (مِنْ نِسائِكُمْ) المسلمات ، وكذا (مِنْكُمْ) المراد به المسلمون. قوله : (فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ) كان هذا في أول الإسلام ، ثم نسخ بقوله تعالى : (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا) (١) ، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الحبس المذكور وكذلك الأذى باقيان مع الجلد ، لأنه لا تعارض بينها بل الجمع ممكن. قوله : (أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً) هو ما في حديث عبادة الصحيح من قوله صلىاللهعليهوسلم : «خذوا عني قد جعل الله لهنّ سبيلا ، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام» الحديث. قوله : (وَالَّذانِ يَأْتِيانِها مِنْكُمْ) اللذان : تثنية الذي ، وكان القياس أن يقال : اللذيان ، كرحيان. قال سيبويه : حذفت الياء ليفرق بين الأسماء الممكنة وبين الأسماء المبهمة. وقال أبو علي : حذفت الياء تخفيفا. وقرأ ابن كثير : (اللّذانّ) بتشديد النون وهي لغة قريش ، وفيه لغة أخرى وهي : (اللّذا) بحذف النون. وقرأ الباقون : بتخفيف النون. قال سيبويه : المعنى وفيما يتلى عليكم اللذان يأتيانها ، أي : الفاحشة منكم ، ودخلت الفاء في الجواب : لأن في الكلام معنى الشرط. والمراد باللذان هنا : الزاني والزانية تغليبا ؛ وقيل : الآية الأولى : في النساء خاصة محصنات وغير محصنات ، والثانية ، في الرجال خاصة ، وجاء بلفظ التثنية لبيان صنفي الرجال ، من أحصن ومن لم يحصن ، فعقوبة النساء الحبس ، وعقوبة الرجال الأذى ، واختار هذا النحاس ، ورواه عن ابن عباس ، ورواه القرطبي عن مجاهد وغيره ، واستحسنه. وقال السدي ، وقتادة ، وغيرهما : الآية الأولى في النساء المحصنات ، ويدخل معهنّ الرجال المحصنون ، والآية الثانية : في الرجل والمرأة البكرين ، ورجحه الطبري ، وضعفه النحاس ، وقال : تغليب المؤنث على المذكر بعيد. وقال ابن عطية : إن معنى هذا القول تام إلّا أن لفظ الآية يقلق عنه ، وقيل : كان الإمساك للمرأة الزانية دون الرجل ، فخصت المرأة بالذكر في الإمساك ، ثم جمعا في الإيذاء ، قال قتادة : كانت المرأة تحبس ويؤذيان جميعا. واختلف المفسرون في تفسير الأذى ، فقيل : التوبيخ والتعبير ؛ وقيل : السبّ والجفاء من دون تعيير ؛ وقيل : النيل باللسان والضرب بالنعال ، وقد ذهب قوم إلى أن الأذى منسوخ كالحبس ؛ وقيل : ليس بمنسوخ كما تقدّم في الحبس. قوله : (فَإِنْ تابا) أي : من الفاحشة (وَأَصْلَحا) العمل فيما بعد (فَأَعْرِضُوا عَنْهُما) أي : اتركوهما ، وكفوا عنهما الأذى ، وهذا كان قبل نزول الحدود على ما تقدّم من الخلاف. قوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ) استئناف لبيان : أن التوبة ليست بمقبولة على الإطلاق ، كما ينبئ عنه قوله : (تَوَّاباً رَحِيماً) بل إنما تقبل من البعض دون البعض ، كما بينه النظم القرآني هاهنا ، فقوله : (إِنَّمَا التَّوْبَةُ) مبتدأ خبره قوله : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ). وقوله : (عَلَى اللهِ) متعلق بما تعلق به الخبر من الاستقرار ، أو متعلق بمحذوف وقع حالا عند من يجوز تقديم الحال التي
__________________
(١). النور : ٢.