هي ظرف على عاملها المعنوي ؛ وقيل : المعنى : إنما التوبة على فضل الله ورحمته بعباده ؛ وقيل : المعنى : إنما التوبة واجبة على الله ، وهذا على مذهب المعتزلة لأنهم يوجبون على الله عزوجل واجبات من جملتها قبول توبة التائبين ؛ وقيل : على ، هنا : بمعنى عند ؛ وقيل : بمعنى من.
وقد اتفقت الأمة : على أن التوبة فرض على المؤمنين ، لقوله تعالى : (وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ) (١) وذهب الجمهور ؛ إلى أنها تصح من ذنب دون ذنب خلافا للمعتزلة ؛ وقيل : إن قوله : (عَلَى اللهِ) هو الخبر. وقوله : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ) متعلق بما تعلق به الخبر ، أو بمحذوف وقع حالا. والسوء هنا : العمل السيئ. وقوله : (بِجَهالَةٍ) متعلق بمحذوف وقع صفة أو حالا. أي : يعملونها متصفين بالجهالة ، أو جاهلين. وقد حكى القرطبي عن قتادة أنه قال : أجمع أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : على أن كل معصية فهي بجهالة عمدا كانت أو جهلا. وحكي عن الضحاك ومجاهد : أن الجهالة هنا العمد ، وقال عكرمة : أمور الدنيا كلها جهالة ، ومنه قوله تعالى : (إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ) (٢) وقال الزجاج : معناه : بجهالة اختيارهم اللذة الفانية على اللذة الباقية ؛ وقيل : معناه : أنهم لا يعلمون كنه العقوبة ، ذكره ابن فورك ، وضعفه ابن عطية. قوله : (ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ) معناه : قبل أن يحضرهم الموت ، كما يدل عليه قوله : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) وبه قال أبو مجلز ، والضحاك ، وعكرمة ، وغيرهم ، والمراد : قبل المعاينة للملائكة وغلبة المرء على نفسه ، و «من» في قوله : (مِنْ قَرِيبٍ) للتبعيض ، أي : يتوبون بعد زمان قريب ، وهو ما عدا وقت حضور الموت ؛ وقيل : معناه : قبل المرض ، وهو ضعيف ، بل باطل لما قدمنا ، ولما أخرجه أحمد ، والترمذي ، وحسنه ، وابن ماجة ، والحاكم ، وصححه ، والبيهقي في الشعب عن ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وقيل : معناه : يتوبون على قرب عهد من الذنب من غير إصرار. قوله : (فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللهُ عَلَيْهِمْ) هو وعد منه سبحانه بأنه يتوب عليهم ، بعد بيانه : أن التوبة لهم مقصورة عليهم. وقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) تصريح بما فهم من حصر التوبة فيما سبق على من عمل السوء بجهالة ثم تاب من قريب قوله : (حَتَّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ) حتى : حرف ابتداء ، والجملة المذكورة بعدها : غاية لما قبلها ، وحضور الموت : حضور علاماته ، وبلوغ المريض إلى حالة السياق ، ومصيرة مغلوبا على نفسه ، مشغولا بخروجها من بدنه ، وهو وقت الغرغرة المذكورة في الحديث السابق ، وهي بلوغ روحه حلقومه ، قاله الهروي. وقوله : (قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ) أي : وقت حضور الموت. قوله : (وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) معطوف على الموصول في قوله : (لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) أي : ليست التوبة لأولئك ولا للذين يموتون وهم كفار ، مع أنه لا توبة لهم رأسا (٣) ، وإنما ذكروا مبالغة في بيان عدم قبول توبة من حضرهم الموت ، وأن وجودها كعدمها.
وقد أخرج البزار ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني عن ابن عباس في قوله : (وَاللَّاتِي يَأْتِينَ
__________________
(١). النور : ٣١.
(٢). محمد : ٣٦.
(٣). أي : أصلا ، أو : أساسا.