المسألة كانوا أقدم من الإخوة لأبوين أو لأب ، وذلك في المسألة المسماة بالحمارية ، وهي : إذا تركت الميتة زوجا وأما وأخوين لأمّ وإخوة لأبوين ، فإن للزوج النصف وللأم السدس وللأخوين لأم الثلث ولا شيء للإخوة لأبوين. ووجه ذلك أنه قد وجد الشرط الذي يرث عنده الإخوة من الأم وهو كون الميت كلالة ، ويؤيد هذا حديث «ألحقوا الفرائض بأهلها ، فما بقي فلأولى رجل ذكر» وهو في الصحيحين وغيرهما ، وقد قررنا دلالة الآية والحديث على ذلك في الرسالة التي سميناها «المباحث الدرية في المسألة الحمارية». وفي هذه المسألة خلاف بين الصحابة فمن بعدهم معروف. قوله : (مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصى بِها أَوْ دَيْنٍ) الكلام فيه كما تقدم. قوله : (غَيْرَ مُضَارٍّ) أي : يوصي حال كونه غير مضار لورثته بوجه من وجوه الضرار ، كأن يقرّ بشيء ليس عليه ، أو يوصي بوصية لا مقصد له فيها إلا الإضرار بالورثة. أو يوصي لوارث مطلقا ، أو لغيره بزيادة على الثلث ولم تجزه الورثة ، وهذا القيد ، أي قوله : (غَيْرَ مُضَارٍّ) راجع إلى الوصية والدين المذكورين فهو قيد لهما ، فما صدر من الإقرارات بالديون عنه أو الوصايا المنهي عنها ، أو التي لا مقصد لصاحبها إلّا المضارة لورثته ؛ فهو باطل مردود لا ينفذ منه شيء ، لا الثلث ولا دونه. قال القرطبي : وأجمع العلماء : على أن الوصية للوارث لا تجوز. انتهى. وهذا القيد ، أعني : عدم الضرار ، هو قيد لجميع ما تقدّم من الوصية والدين. قال أبو السعود في تفسيره : وتخصيص القيد بهذا المقام : لما أن الورثة مظنة لتفريط الميت في حقهم. قوله : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) نصب على المصدر ، أي : يوصيكم بذلك وصية من الله كقوله : (فَرِيضَةً مِنَ اللهِ) قال ابن عطية : ويصح أن يعمل فيها : مضار. والمعنى : أن يقع الضرر بها أو بسببها فأوقع عليها تجوزا ، فتكون : وصية ، على هذا مفعولا بها ، لأن الاسم الفاعل قد اعتمد على ذي الحال ، أو لكونه منفيا معنى ، وقرأ الحسن : (وَصِيَّةً مِنَ اللهِ) : بالجرّ ، على إضافة اسم الفاعل إليها ، كقوله : يا سارق الليلة أهل الدار. وفي كون هذه الوصية من الله سبحانه دليل : على أنه قد وصى عباده بهذه التفاصيل المذكورة في الفرائض ، وأن كل وصية من عباده تخالفها ؛ فهي مسبوقة بوصية الله ، وذلك كالوصايا المتضمنة لتفضيل بعض الورثة على بعض ، أو المشتملة على الضرار بوجه من الوجوه ، والإشارة بقوله : (تِلْكَ) إلى الأحكام المتقدمة ، وسماها حدودا : لكونها لا تجوز مجاوزتها ، ولا يحلّ تعديها (وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ) في قسمة المواريث وغيرها من الأحكام الشرعية ، كما يفيده عموم اللفظ (يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ) وهكذا قوله : (وَمَنْ يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ) قرأ نافع ، وابن عامر : ندخله بالنون. وقرأ الباقون : بالياء التحتية. قوله : (وَلَهُ عَذابٌ مُهِينٌ) أي : وله بعد إدخاله النار عذاب لا يعرف كنهه.
وقد أخرج البخاري ، ومسلم ، وغيرهما عن جابر قال : عادني رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقلت : ما تأمرني أن أصنع في مالي يا رسول الله! فنزلت [(يُوصِيكُمُ اللهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ)] (١). وقد قدّمنا أن سبب النزول : سؤال امرأة سعد بن الربيع. وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن السدي
__________________
(١). ما بين حاصرتين استدرك من الدر المنثور [٢ / ٤٤٤].